لقد كان للعولمة ومنظوماتها الأساسية آثارًا هامّةً وجمّةً على حياة البشريّة لجهة تسهيل إتصال الأفراد وتسخير التقدّم التكنولوجي لخدمة الإنسان. وخلال الحديث عن العولمة، لا بدّ من التطرّق إلى موضوٍع ليس بجديد، ولكنه يفرض وجوده اليوم على الساحة العالميّة بكثرة، نظرًا لارتكاز دعائمه و مداميكه على قنوات العولمة والثورة التكنولوجية التي جعلت ولوج ساحاته أمرًا أيسر من ذي قبل. وما نتحدث عنه هو مصطلح الدخل السلبي الذي نشط في العصر الحالي وفي السنوات الأخيرة بطريقة استثنائية.

إن أهم ميّزات الدخل السلبي، والتي تعزّز رواجه في المجتمعات المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء ، أنّه يمكن الحصول عليه بأقل قدر ممكن من الجهود والتكاليف. ومن هنا، فإنّ هذه المقالة تتطرّق الى العوامل الأساسية التي عززّت وحفزت رواج مفهوم الدخل السلبي في القرن الواحد والعشرين.

العوامل التي تحفز نمو مصادر الدخل السلبي

كثيرةٌ هي العوامل التي ساهمت في استقطاب الدخل السلبي لمصادر جديدة لم يكن لها موطئ قدم من قبل، ولعلّ إحداها وأهمها أنّه يمكن في أغلب الحالات كسب الدخل السلبي بدون بذل جهود كبيرة. بالإضافة الى ذلك، هناك حوافز أخرى لا تقل شأنًا عن العامل الأوّل كان لها الرصيد الكبير في تعزيز نمو مصادر هذا الدخل.

تعزيز الاستقلال المالية

يُعَد الاستقلال المالي أحد أهم ميّزات الدخل السلبي. وفي البدء، الاستقلال المالي هو مُصطلح يُستخدم لوصف الحالة التي يكون فيها النظام الاقتصادي فعّالًا للحد الذي يمكّنه من تحقيق الأداء الجيّد حتّى في أوقات الأزمات؛ وأمّا على الصعيد الفردي، فإنّ الاستقلال المالي يتحقق عندما يُتاح للفرد تحقيق فائض في المدخول أي المدّخرات مع سداد الديون المتوجّبة عليه بدون الخوف من الأزمات المالية التي قد تطرأ عليه. لذلك فإنّ الدخل السلبي يُساهم في بلوغ مرحلة الاستقلال المالي والتي تمكّن صاحب الدخل من البقاء في حالة من الرفاهية إلى حدٍّ ما.

تعبيد الطريق أمام بلوغ الاهداف المالية طويلة الأجل

تتحدّد قيمة المستقبل من خلال الأهداف التي يضعها المرء لبلوغها من خلال إستراتيجيات وطرق معينة. وبالاعتماد على الدخل النشط، فإنّ تحقيق هذه الأهداف قد يصبح أمرًا أصعب، وهذا الأمر مردّه إلى الإيرادات الثابتة خلال الأوقات المحددة التي يحققها. وأمّا بالنسبة للدخل السلبي، فإنه لا يفرض إيرادًا ثابتًا مقرونًا بمدّة معيّنة. ومن هنا فيُمكن جنيه في أي ساعة وأي ووقت من النهار حتى ولو كان هذا الوقت ما بعد منتصف الليل.

من الامثلة البارزة في هذه الحالة، نجد الأشخاص الذين يعملون في الأسواق المالية، مثل البورصة، حيث أنّ عملهم لا يرتبط بوقت معيّن، بل يتطلب حالةً مستمرةً من اليقظة والعمل، والتي تمكّنهم في بعض الأحوال من تحقيق أرباح طائلة . وبالتالي، فإنّ عدم اقتران الايرادات بالثبات والركود يساهم في بلوغ الأهداف خلال فترة قياسية وبنجاح.

الحرية في تحديد المسارات المستقبلية وممارسة المهنة ذات الشغف والطموح للأفراد

عندما يعتمد الفرد على الدخل النشط كليًا، سيصبح من الصعب عليه التخلي عن الوظيفة، نظرًا لوجود المصاريف والالتزامات الواجب تأديتها، وذلك حتى في الحالات التي يمارس فيها هذه المهنة التي لا تُرضي أهوائه وميوله. ولكن عندما يكون الدخل السلبي أولى مصادر هذا الدخل، فيُمكن حينها للشخص ممارسة المهنة التي تناسب أهوائه وقدراته ومواهبه، والتي تدرّ دخلًا منخفضًا. ومن الأمثلة على ذلك، المصمم الجرافيكي الذي يعمل لحسابه الخاص بتجهيز رسومات وقوالب جاهزة وبيعها لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نفس الوقت يعمل كرسّام في مدرسة نظرًا لشغفه بمهنة التعليم والرسم في نفس الوقت.

التحرر من الالتزام بنطاق جغرافي محدد

إنّ الأشكال التي يمكن من خلالها كسب الدخل النشط تفرض وجود الموظف في دائرة عمله حتى ولو انطوى عمله على ساعات فراغ محتمة. وخلافًا لذلك، فإن الأعمال ذات الدخل السلبي تحرر صاحبها من وجوب التواجد في مكان محدد. وينتج عن هذه الميّزة إمكانية اختيار المكان المفضل لانجاز المهام، ومن هنا تزيد انتاجية العمل.

التقاعد المبكر

يطمح الكثير من الاشخاص للتقاعد في سن مبكرة، إذ أنّه يفسح المجال أمام حيّز كبير من الرفاهية، وهو أمر لا يوفره الدخل النشط في الكثير من الأحوال. ولكن في حالة الدخل السلبي، فإنّ التقاعد المبكر هو حلم غير مستحيل، وذلك في حالة تحقيق مدخرات كافية من قبل الشخص لحين بلوغ شيخوخته، وهذا الأمر ممكن من خلال الاستثمار في السوق المالية بما تحمله من أوراق مالية وعقود آجلة، أو تأسيس مشروع تجاري لا يقتضي التواجد الفعلي لصاحبه، وهذه أمثلة على سبيل المثال لا الحصر.

توفير المزيد من الفائض المالي

المقصود بالهامش المالي، هو الفارق بين التكاليف والإيرادات التي يحققها الفرد. فإذا كان شخص ما يحقق مدخولًا مقداره ٣٠٠٠ دولار ويدفع منه مبلغ ٢٠٠٠ دولار كمصاريف شهرية والتزامات واجب سدادها، فإنه يتبقى من الدخل الاجمالي ١٠٠٠ دولار لتكون ادخارًا مستقبليًا أو احتياطيًا لأي طارئ. وإذا كان الشخص نفسه يحصل على دخل مقداره ٥٠٠٠ دولار مع نفس التكاليف الشهرية، فإنّه يتمتع بهذه الحالة بالمزيد من الفائض المالي وهو ٣٠٠٠ دولار، وهو ما يحقق له المزيد من الاستقرار والرفاهية. فالدخل السلبي يحقق المزيد من الإيرادات مع تكاليف ثابتة نسبيًا، وهو ما يجعل الأفراد متمتعين بالمزيد من المدخرات والرفاه.

تقليص التوتر والإجهاد الناجم عن العمل

إنّه أمر لا يخفى عن الجميع أنّ الضغوطات المالية والخوف من عدم الاستقرار المالي يترتب عنها آثار صحية وتبعات جمّة تتمثّل بازدياد الإجهاد والضغوطات العصبية. أمّا في حالة تحقيق جميع النقاط السابقة، سيصبح الاستقرار والتوازن النفسي سمةً ملازمةً لصاحبها، أقله لناحية الاطمئنان من الوضع المالي.

تحقيق الاستمرارية

إنّ تحصيل الدخل السلبي يساهم في تحقيق الاستمرارية على جميع الأصعدة المالية، ويشمل ذلك الادخار والاستثمار، فوجود فائض إيجابي بين الإيرادات والتكاليف يمكّن صاحبها من الادخار والاستثمار في مشاريع مستقبلية.

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجهها البشرية وغير محدودة، وضغوط تخضع لها مصادر الدخل الدخل النشط. وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، فمن غلاء المشتقات النفطية يومًا يعد يوم الى الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، وهنا يصبح الحضور لأداء العمل مقابل دخل محدود أمرًا بالغ الصعوبة، وهو ما يجعل الاستمرارية في عمل ذو دخل نشط أمرًا مستحيلًا.

ومن خلال ما سبق، فإنّ البديل بات أمرًا محتمًّا ويشمل ذلك مصادر الدخل السلبي التي تحقق الكثير من الميّزات لصاحبها. فمن الاستقلال المالي الى التقاعد المبكر يوفّر الدخل السلبي درجةً عاليةً من الرفاهية والاستقرار المالي. فهل تُقدم البشرية على انقلاب أو حتى ثورة في مجال الأعمال تقلب عالم المهن رأسًا على عقب؟

أفكار لمشاريع تدر دخلا سلبيا
أسئلة يجب طرحها قبل الاستقالة من الوظيفة والبدء بعمل خاص

Leave a Comment