نشأة تسويق الخدمات المصرفيّة

قبل منتصف خمسينيّات القرن العشرين للميلاد لم يظهر أيّ اهتمامٍ من المؤسّسات المصرفيّة في وظيفة التسويق، كما لم تكن إدارات المصارف تُدرك أهميّة التسويق المصرفيّ، ممّا أدّى إلى تجاهل الدّور المهم الخاص به؛ إذ لم يَكن الاهتمام فيه إلّا سطحيّاً، حيث اهتمّت المصارف في السياسات المُعتمدة على تَقديم خدمات تقليديّة، ولم تُظهر أيّ حاجةٍ لتسويق خدماتها، وفي مطلع ستينيّات القرن العشرين للميلاد ظهر مفهوم التسويق المصرفيّ للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ومن ثمّ انتشر في فرنسا وكافة الدول الأوروبيّة، عندما اقتنع مديرو ومشرفو المَصارف بالأهميّة الخاصّة للتسويق.[٢]

بدأت المَصارف في مُنتصف ستينيات القرن العشرين للميلاد بالاهتمام بشكلٍ تدريجيّ في تَطوير عمليّة التسويق، وأظهرت دراسة أجرتها جمعيّة المصارف الأمريكيّة عام 1968م أنّ ما يُعادل 50% من المصارف تُصنّف البحوث والإعلانات التسويقيّة من أهمّ أنشطة التسويق، ولكن لم يظهر التطوّر الحقيقيّ لهذه الأنشطة إلّا في الفترة الزمنيّة بين عامي 1973م-1974م؛ إذ أصبَح التسويق المصرفيّ يشمل العديد من الخدمات المصرفيّة الأخرى، ولم يظل يَعتمد فقط على ادخار الأفراد.[٢]

ارتبط الاهتمام الحقيقيّ للمصارف بمفهومِ وآليات التسويق مع زيادة القناعة عند مُديريها بالأهميّة الخاصّة في وظيفة التسويق، والدور الذي تُقدّمه في الوصولِ إلى أهداف المصارف؛ من حيث المُساهمة في استمرارها والمُحافظة على استقرارها، وتحديداً في ظلّ المُنافسة التي ظَهرت بين المصارف؛ سواءً مع بعضها البعض أو مع المؤسّسات الماليّة المتنوعة، ونتج عن ذلك حصول التسويق على صفة قانونيّة كوظيفة رئيسيّة في الهَيكل التنظيميّ للمصارف.[٢]

 

تطور تسويق الخدمات المصرفيّة

اعتَمد تطوّر تسويق الخدمات المصرفيّة على المرور في المراحل الخمسة الآتية:[٣]

  • مرحلة تقديم الخدمات المصرفيّة والإنتاج: هي المرحلة التي تَميّزت في زيادة الطلب على العرض؛ لأنّ الهدف المباشر والأساسيّ للمصارف كان في هذه المرحلة هو تقديم أكبر مجموعة ممكنة من الخدمات؛ من أجل المساهمة في تحقيق الطلبات، ممّا أدّى إلى تغيّر تركيزها نحو توظيف أكبر عددٍ من الموظّفين، كما حَرصت المصارف على زيادة عدد فروعها للمُساهمة في تحقيق هذا الهدف.
  • مرحلة الاهتمام بالعملاء: هي المرحلة المُرتبطة بشدّة المُنافسة بين المصارف من أجل جذب العملاء؛ بسبب زيادة العرض المُرتبط بالخدمات الخاصّة في المصارف على حساب كميّة الطلب، وظهر هذا الشيء نتيجة توسّعات المَصارف في المرحلة الإنتاجيّة، وتَركيزها على الاهتمامِ في تعزيز علاقتها مع العملاء، وارتَبطت هذه المرحلة بالأمور الآتية:
    • دعم التوجّه نحو العملاء عند مُوظّفي المصرف، وخُصوصاً لدى موظّفي الخطوط الأماميّة ممّا يساهم في تدريبهم على استخدام أفضل وسائل التعامل مع العملاء.
    • تعزيز السرعة والدقّة في أداء الخدمات؛ من خلال تحديث وسائل العمل.
    • مُعالجة الشكاوى الخاصة في العملاء.
    • الاهتمام بدور الإعلان والعلاقات العامة.
    • دعم اتّخاذ القرارات الماليّة الخاصة في العملاء؛ من خلال تقديم الخدمات الاستشاريّة لهم.
    • تطوير مبنى المَصرف وأماكن تَقديم الخدمات المصرفيّة، ممّا يُساهم في تعزيز شعور الترحيب والاحترام عند العملاء.
  • مرحلة مُتابعة الخدمات: هي المرحلة التي تهتمّ بتوجيه الموارد الخاصّة في المصرف نحو دعم تطوّر الخدمات الحاليّة، ممّا يساهم في تقديم خدمات جديدة، وينتج عن ذلك دقّة وسرعة في أداء الخدمات.
  • مَرحلة توجيه التسويق: هي المرحلة التي تُساعد على تَرجمة موارد المصرف المتاحة؛ من أجل استِثمارها ضمن حاجات السوق، ويَعتمد تطبيق هذه المرحلة على مَجموعةٍ من النّشاطات مثل: أبحاث التسويق، ونُظم المعلومات التسويقيّة، والخُطط التسويقيّة طويلة الأجل، وتعزيز مراقبة نشاطات ونتائج التسويق.
  • مرحلة مفهوم التسويق الاجتماعيّ: هي المَرحلة التي تُساهم في دعم المراحل السابقة ودور المصرف في تنفيذها؛ عَن طريق التعامل مع المجتمع بِصفته كياناً اقتصاديّاً يتميّز بدوره الاقتصاديّ في اقتصاد الدولة.

 

استراتيجيات تسويق الخدمات المصرفيّة

يَعتمد تسويق الخدمات المصرفيّة على مجموعةٍ من الاستراتيجيّات التي تهدف إلى تحقيق إدارة التّسويق في المَصرف، وتُقسم هذه الاستراتيجيّات إلى ثلاثة أنواع هي:[٤]

  • استراتيجيّة التسويق الهجوميّ: هي من أنواع الاستراتيجيات التسويقيّة وتعتبر أفضلها بالنسبة للمصارف التي تَهدف إلى تَعزيز مركزها، وزيادة حصّتها في السوق على حِساب المصارف المنافسة لها؛ إذ تُركّز على ظهور نقاط القوّة الخاصة بها، وزيادة تأثير نقاط ضَعف المصارف المنافسة لها، وهكذا تظهر صورة جيّدة عنها لدى العُملاء الحاليين والجُدد. تتطلّب هذه الاستراتيجيّةُ وجود العديد من الإمكانات البشريّة، والماديّة، والتَنظيميّة حتى ينجح المصرف في تَنفيذها.
  • استراتيجيّة التسويق الدفاعيّ: هي الاستراتيجيّة التي يَحرص المصرف من خلالها في المُحافظة على حصته في السوق؛ عن طريق تجنب المشاركة في صراعات تسويقيّة، أو منافسة قويّة مع المصارف الأخرى ذات المُميّزات العالية والشهرة الواسعة.
  • استراتيجيّة التسويق العقلانيّ: هي استراتيجيّة تَهدف إلى تَعزيز الأرباح؛ عن طريق زِيادة الأسعار الناتجة عن تميّز خَدمات المصرف، وتَحديد طبيعة أهميّتها عند العملاء، وقد تَسعى هذه الاستراتيجيّة إلى تقليل التكاليف باستخدام الأجهزةِ الحديثة التي تُستخدم بَدلاً عن الموظّفين.
كيف تكون مدير ناجح
طرق إعداد الميزانية

Leave a Comment