تبحث الشركات عن حلول واستراتيجيات سريعة في أوقات الأزمات أساسها هو خفض التكاليف، لمعالجة الوضع الحالي وضمان استمرارية الشركة. وتسريح الموظفين أحد هذه الاستراتيجيات التي لجأت إليها كثير من الشركات فعلًا حتى الآن.
تستخدم بعض الشركات استراتيجيات أخرى مثل: التوقف عن تنفيذ مشاريع جديدة، وتعديل خطط النمو والتوسع وبدلًا منها التركيز على الربحية، إضافةً إلى التبديل في سياسات التسعير لتحقيق إيرادات أعلى. لكن هل هذه الحلول كافية في ظل الأوضاع الحالية؟
الواقع يقول أنّ العام الحالي لم يكن سهلًا على جميع الأعمال التجارية، نتيجة التضخم والتغيّر في السياسات الاقتصادية للبنوك المركزية حول العالم. كما يتوقع المستثمرون استمرار البنوك المركزية في رفع معدلات الفائدة إلى ما يقرب من 4% حتى عام 2023. ليس هذا وحسب، إنما تشير التنبؤات إلى أنّ نسبة الركود في أمريكا ستصل إلى 38% في شهر نوفمبر 2023.
كل هذه الأرقام تخبرنا شيئًا واحدًا؛ هناك أزمة عالمية اقتصادية وركود سيجتاح العالم خلال العام الحالي. الأمر الذي عبّر عنه «ديفيد مالباس» رئيس مجموعة البنك الدولي قائلًا: «يتباطأ النمو العالمي بصورة حادة، مع احتمالية حدوث المزيد من التباطؤ كنتيجة لدخول العديد من البلدان في الركود. ما يقلقني بشدة هو أنّ هذا الأمر قد يستمر، مع وجود عواقب على المدى البعيد، ستسبب الدمار للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية».
معنى ذلك أنّ الأمر سيؤثر على الجميع وقد يستمر لفترة من الوقت، فلا يكفي الأعمال التجارية الاعتماد فقط على حلول قصيرة المدى مثل تسريح الموظفين، بل لا بد من الاستعداد لمواجهة ما هو قادم باستراتيجيات أكثر صمودًا للعبور من هذه الأزمة، وضمان استمرارية الشركة والبقاء في السوق.
أمّا من ناحية العملاء، ستصبح قرارات الشراء أكثر صعوبة نتيجة للأوضاع الاقتصادية، وسيبحثون عن خيارات تتوافق مع قدراتهم الشرائية الجديدة. ومن ثم، فأي زيادة في أسعار المنتجات أو الخدمات لن تكون مقبولة كليًا، وقد تجعلهم يبحثون عن بدائل.
بالتالي، في ظل هذا الركود المتوقع، تحتاج الشركات لإيجاد حلول أكثر شمولية واستدامة، تُستثمر فيها جهود خفض التكاليف، لكن بما يغيّر من استراتيجية العمل داخل الشركة ككل، لتصمد في وجه هذه الأزمة الكبيرة؛ وهو ما يحققه التحول الرقمي.
يتميز التحول الرقمي بالشمولية ووجود فرصة دائمة للاستفادة منه في جميع الأعمال التجارية. بالطبع قد يبدو للبعض أنّه استراتيجية تناسب الشركات الناشئة فقط، لكونها الأكثر اعتمادًا على التكنولوجيا والأدوات الرقمية في إدارة أعمالها.
لكن في الحقيقة يمكن أيضًا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة استثمار التحول الرقمي لصالحها، إمّا بالتحول الرقمي الكامل لإدارة جميع عملياتها عبر الإنترنت، أو بالتحول الجزئي كالاعتماد على التسويق الرقمي في ترويج وبيع منتجاتها للعملاء.
كما يمكن تطبيق التحول الرقمي أيًا يكن مجال عمل الشركة، فعلى الرغم من أنه قد يُنظر لبعض المجالات على أنّها بعيدة عن التحول الرقمي، لكن مع تطور أدوات وآليات التحول، تزيد إمكانية تطبيقه في أي مجال. وبمرور الوقت يميل أصحاب هذه الشركات للحلول الرقمية أكثر لفاعليتها ودقتها.
فمثلًا في مجال التصنيع تعاني الشركات من مشكلات متعددة، منها صعوبة التحكم في عمليات الإنتاج، وحاجتها لتوظيف أشخاص يقتصر دورهم على الإشراف. مع ذلك، لا يقدم هذا الحلول الفاعلية المطلوبة، إذ يظل هناك مساحة للأخطاء البشرية، مع التكلفة الكبيرة الناتجة عن توظيف عدّة مشرفين لتغطية كل عمليات التصنيع.
باللجوء إلى التحول الرقمي، تستخدم الشركة أدوات متخصصة في متابعة عملية التصنيع، لتنفيذ الإجراءات الإشرافية وإرسال الملاحظات عند وجود أي خطأ. تقدم الأدوات أيضًا تحليلات تنبؤيه عن عملية التصنيع، يمكن الاستفادة منها في تحسين العمل ككل. تعمل هذه الأدوات طوال الوقت وبدقة عالية، فتوفر تكلفة توظيف أعداد كبيرة من المشرفين، وتمنح الشركة الجودة المطلوبة في عملية التصنيع.
مع التقدم التكنولوجي الكبير حاليًا، تتطور الأدوات المستخدمة في تنفيذ التحول الرقمي، وتشمل جميع المجالات تدريجيًا. حسنًا كل ما سبق يتعلق بأثر التحول الرقمي على الشركات بصفة عامة، فماذا عن أثره الفعلي على شركتك؟
التحول الرقمي يطور نموذج عمل شركتك وطريقة الإدارة
يتيح التحول الرقمي فرصة تغيير نموذج عمل الشركة أو تطويره، وإضافة مصادر أخرى لتحقيق الدخل، وهو ما يوفر فرصًا إضافية للشركات لتحقيق إيرادات أعلى، ويساعدك على تطويع نموذج العمل ليلائم القدرات الشرائية للعملاء. فبدلًا من الاكتفاء ببيع المنتجات أو الخدمات بالصورة التقليدية، ستوفر لعملائك خيارات أخرى مثل العضويات الشهرية والسنوية.
مثلًا إذا لديك مشروعًا متخصصًا في التدريب، تقدم فيه تدريبات تفاعلية على أرض الواقع. في هذه الحالة أنت مقيد بأمرين؛ الأول هو ارتباط التدريب بضرورة وجود المدرب في كل مرة، فلن يمكنه تقديم خدماته سوى بما يوافق الوقت المتاح لديه، والثاني هو أعداد المتقدمين للتدريبات وهذا يرتبط بالنطاق الجغرافي لعملك.
عبر التحول الرقمي وإنشاء منصة تعليمية خاصة بك، يمكن تقديم تدريباتك التفاعلية في أرض الواقع وكذلك عبر الإنترنت. يمكنك أيضًا إضافة خيارات جديدة مثل الدورات المسجلة مسبقًا، التي ستبذل الجهد في إنتاجها مرة واحدة، وتبيع كل دورة تعليمية بسعر محدد، ويستمر الربح مع كل عملية شراء جديدة، دون الحاجة إلى وجود المدرب مرة أخرى.
يمكن أيضًا إضافة خيار الاشتراكات في مقابل مبلغ شهري أو سنوي حسب ما يناسب عملائك، في مقابل الوصول لجميع الدورات على المنصة. في هذه الحالة تطور نموذج عملك ليشمل ثلاثة مصادر لتحقيق الإيرادات بدلًا من مصدر واحد فقط.
إلى جانب تطوير نموذج العمل، يساهم التحول الرقمي في تطوير طريقة إدارة الشركة بالكامل، عبر استخدام أدوات مختلفة لتنفيذ مهام عديدة في الشركة. كأدوات تنظيم الإنتاجية التي تتيح توزيع المهام على فريق العمل، ومتابعة التنفيذ بسهولة. وأدوات الماليات والحسابات، التي تضمن تسجيل كل شيء في سجلات الشركة وإدارة الأموال. وأدوات المدفوعات كبوابات الدفع المتخصصة، التي تتولى إدارة المدفوعات وترسل الإيرادات لحسابك دون أي تدخل منك.
تساعدك هذه الأدوات على تحسين إدارة العمل داخل الشركة، وتوفر لك فرصة الوصول إلى بيانات عملائك وكل العمليات الداخلية في الشركة. والبيانات هي كنز حقيقي لدى الشركات، يمكن الاستفادة منه في اتخاذ قرارات أفضل تناسب العملاء، مثل تحسين تجربة العملاء أو تطوير الحملات التسويقية.
اكتشاف المزيد من فرص المبيعات والتسويق
تعتمد الأعمال التجارية التقليدية على بيع منتجاتها في متاجر على أرض الواقع، وهو ما يجعل جمهورها محدود جدًا، وفي أغلب الأحيان لا يتجاوز النطاق الجغرافي للمتجر. يتيح التحول الرقمي لهذه الأعمال تطوير عملية البيع، بإنشاء متاجر إلكترونية، تساهم في بيع المنتجات لعملاء آخرين خارج نطاق عمل المشروع، وهو ما يضاعف من أعداد العملاء المحتملين، ويسهل نمو المتجر.
من ناحية التكلفة لست مضطرًا لتعيين مطور مواقع للعمل معك بدوام كامل لإنشاء المتجر، فتزداد ميزانية الرواتب الشهرية لديك. لكن يمكنك الاعتماد على مطوري المتاجر الإلكترونية المستقلين، وتوظيف مطور محترف من موقع مستقل، شبكة العمل الحر الأكبر عربيًا، لإنشاء متجرك الإلكتروني بالمواصفات المطلوبة.
بالطبع يرتبط تحسين المبيعات بالتسويق، وفي الحقيقة يُعدّ التسويق الرقمي أحد أهم أشكال التحول الرقمي التي يمكن للأعمال التجارية الاستفادة منها، بدءًا من أبسط التصورات كإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق من خلالها، ومرورًا بأنشطة أتمتة التسويق المختلفة، وختامًا بالاستراتيجيات التسويقية الأخرى مثل التسويق بالمحتوى والتسويق عبر البريد الإلكتروني.
الميزة في التسويق الرقمي هي أنّه يتيح لك قياس أثر أعمالك، وحساب العائد على الاستثمار من الأنشطة التسويقية بدقة أكبر من التسويق التقليدي. بالطبع يُستخدم التسويق الرقمي بواسطة العديد من المشاريع، وهو ما يجعلك بحاجة إلى خطة تسويقية محكمة لتحقق النتائج المأمولة، ولتحقيق ذلك سيفيدك توظيف مسوق رقمي محترف، يتولى مسؤولية إعداد وتنفيذ الخطة التسويقية لأعمالك.
يتطلب تنفيذ التحول الرقمي وجود استراتيجية محددة لفعل ذلك، فالوضع لا يحتمل المغامرة أو التجارب غير الناجحة، فلا بد من التخطيط جيدًا لتنفيذ هذا التحول، عبر الخطوات التالية:
1. تحليل نظام الشركة لتحديد صور التحول الرقمي المناسبة
لا يتعلق التحول الرقمي فقط باختيار الأدوات، لكنّها عملية متكاملة، تتطلب تعديلات كثيرة في نظام إدارة الشركة ونموذج عملها. لذا، لا بد من تحليل نظام الشركة جيدًا، لدراسة كيفية تنفيذ التحول الرقمي، وتحديد إذا ستطبق التحول الرقمي كليًا أو جزئيًا.
في حالة التحول الرقمي الجزئي، ستحتاج لاختيار صور التحول المناسبة لشركتك، التي تتفق مع احتياجاتك وأهدافك الحالية من التحول، مع التفكير في الترتيب الصحيح لتنفيذه. مثلًا ستبدأ بالتسويق الرقمي لأعمالك أولًا، ثم لاحقًا ستنشئ متجرًا إلكترونيًا للبيع، وأخيرًا ستتجه لاستخدام برامج إدارة العلاقات مع العملاء.
تحتاج هذه الخطوة غالبًا لوجود خبير متخصص في التحول الرقمي، ليساعدك على تحليل نظام الشركة والوضع الحالي، ويخبرك بما يلائم احتياجات شركتك حاليًا، ويساهم معك في وضع وتنفيذ خطة التحول الرقمي. فإذا لم تكن لديك خبرة كافية، فكّر في الاستفادة من خبرة مستشار أعمال متخصص في التحول الرقمي للعمل معك في هذه المرحلة.
2. وضع الرؤية المستقبلية للشركة ومشاركتها
يُحدِث التحول الرقمي تغييرًا كاملًا في عملك، لذا من الضروري وضع رؤية مستقبلية واضحة للشركة. لاحظ أنّ الأشخاص غالبًا ما يقاومون التغيير، ويفضلون بقاء الأمور كما هي، لخوفهم من صعوبة تنفيذ العمل بعد تطويره، ولاعتيادهم على الطريقة الحالية.
لذلك خصص جزء من وقتك للحديث مع الأفراد المعنيين بالأمر كالشركاء وفريق العمل، افهم أي اعتراضات أو تحفظات لديهم، وأجبهم عليها حتى الوصول إلى مرحلة الطمأنينة. كذلك لا تكتفِ بوضع الرؤية المستقبلية بمفردك، بل احرص على مشاركتهم معك في وضع الرؤية، وشجعهم على إدراك أنّ التحول الرقمي ضرورة للمستقبل ولاستدامة العمل في الشركة.
3. تحديد مراحل وخطوات عملية التحول الرقمي
يشمل التحول الرقمي مراحل وخطوات متعددة وفقًا لطبيعة التغيير الذي ستحدثه في شركتك. لذا، بمجرد وضع الرؤية ووضوح الصورة بشأن التحول الرقمي لشركتك، يمكنك البدء مباشرةً في تحديد المراحل والخطوات التي ستمر بها عملية التحول بالكامل من البداية حتى النهاية.
في هذه الخطوة ضع المراحل داخل جدول زمني محدد، والتزم به لتنفيذ عملية التحول الرقمي في المواعيد المخطط لها. وضح النتيجة المستهدفة في كل مرحلة، ومعايير تقييمها للتأكد من تنفيذها بالصورة المطلوبة. لا تنتظر نهاية عملية التحول للبدء في التقييم، إذ قد تضطر وقتها لإجراء تعديلات كثيرة، بدلًا عن ذلك، تدخل سريعًا للتعديل في كل مرحلة عند الحاجة لذلك.
4. تطوير طريقة إدارة العمل في ظل التحول الرقمي
يحتاج التحول الرقمي لتعديل وتطوير طريقة إدارة العمل في الشركة، لتتماشى مع الأهداف المرغوب تحقيقها. لذا، حدد كيف سيتغير نموذج عمل شركتك في ظل التحول الرقمي، وما هي المهام الجديدة المطلوب تنفيذها، لتصل لأفضل طريقة لإدارة الشركة وفقًا لذلك.
ابدأ بتطوير الهيكل الوظيفي للشركة لاستيعاب المهام الجديدة، أو التعديل على المهام الحالية، ثم في هذه المرحلة اختر أنسب الأدوات لتنفذ التحول الرقمي بطريقة صحيحة تتفق مع أهدافك. أخيرًا، وفّر لفريق العمل تدريبات تخصصية واستشارات مستمرة، لتعليمهم كيفية العمل في النظام الجديد، وآلية استخدام الأدوات.
5. تخصيص الميزانية المناسبة لعملية التحول الرقمي
يتطلب تنفيذ عملية التحول الرقمي تخصيص ميزانية مناسبة لتنفيذها بالجودة المطلوبة. لذا، ادرس أمورك المالية جيدًا، وخطط لها بما يناسب إمكانياتك. إذا كان هناك فرصة لتقسيم عملية التحول إلى مراحل، فافعل ذلك إذا كان يلائم شركتك، فلن تضطر حينها لدفع كل التكاليف مرة واحدة، والتأثير على السيولة داخل الشركة.
التحول الرقمي: ضرورة أم رفاهية؟
تبحث الشركات عن حلول واستراتيجيات سريعة في أوقات الأزمات أساسها هو خفض التكاليف، لمعالجة الوضع الحالي وضمان استمرارية الشركة. وتسريح الموظفين أحد هذه الاستراتيجيات التي لجأت إليها كثير من الشركات فعلًا حتى الآن.
تستخدم بعض الشركات استراتيجيات أخرى مثل: التوقف عن تنفيذ مشاريع جديدة، وتعديل خطط النمو والتوسع وبدلًا منها التركيز على الربحية، إضافةً إلى التبديل في سياسات التسعير لتحقيق إيرادات أعلى. لكن هل هذه الحلول كافية في ظل الأوضاع الحالية؟
الواقع يقول أنّ العام الحالي لم يكن سهلًا على جميع الأعمال التجارية، نتيجة التضخم والتغيّر في السياسات الاقتصادية للبنوك المركزية حول العالم. كما يتوقع المستثمرون استمرار البنوك المركزية في رفع معدلات الفائدة إلى ما يقرب من 4% حتى عام 2023. ليس هذا وحسب، إنما تشير التنبؤات إلى أنّ نسبة الركود في أمريكا ستصل إلى 38% في شهر نوفمبر 2023.
كل هذه الأرقام تخبرنا شيئًا واحدًا؛ هناك أزمة عالمية اقتصادية وركود سيجتاح العالم خلال العام الحالي. الأمر الذي عبّر عنه «ديفيد مالباس» رئيس مجموعة البنك الدولي قائلًا: «يتباطأ النمو العالمي بصورة حادة، مع احتمالية حدوث المزيد من التباطؤ كنتيجة لدخول العديد من البلدان في الركود. ما يقلقني بشدة هو أنّ هذا الأمر قد يستمر، مع وجود عواقب على المدى البعيد، ستسبب الدمار للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية».
معنى ذلك أنّ الأمر سيؤثر على الجميع وقد يستمر لفترة من الوقت، فلا يكفي الأعمال التجارية الاعتماد فقط على حلول قصيرة المدى مثل تسريح الموظفين، بل لا بد من الاستعداد لمواجهة ما هو قادم باستراتيجيات أكثر صمودًا للعبور من هذه الأزمة، وضمان استمرارية الشركة والبقاء في السوق.
أمّا من ناحية العملاء، ستصبح قرارات الشراء أكثر صعوبة نتيجة للأوضاع الاقتصادية، وسيبحثون عن خيارات تتوافق مع قدراتهم الشرائية الجديدة. ومن ثم، فأي زيادة في أسعار المنتجات أو الخدمات لن تكون مقبولة كليًا، وقد تجعلهم يبحثون عن بدائل.
بالتالي، في ظل هذا الركود المتوقع، تحتاج الشركات لإيجاد حلول أكثر شمولية واستدامة، تُستثمر فيها جهود خفض التكاليف، لكن بما يغيّر من استراتيجية العمل داخل الشركة ككل، لتصمد في وجه هذه الأزمة الكبيرة؛ وهو ما يحققه التحول الرقمي.
ما الذي يميز التحول الرقمي كاستراتيجية مناسبة لمواجهة الركود؟
يتميز التحول الرقمي بالشمولية ووجود فرصة دائمة للاستفادة منه في جميع الأعمال التجارية. بالطبع قد يبدو للبعض أنّه استراتيجية تناسب الشركات الناشئة فقط، لكونها الأكثر اعتمادًا على التكنولوجيا والأدوات الرقمية في إدارة أعمالها.
لكن في الحقيقة يمكن أيضًا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة استثمار التحول الرقمي لصالحها، إمّا بالتحول الرقمي الكامل لإدارة جميع عملياتها عبر الإنترنت، أو بالتحول الجزئي كالاعتماد على التسويق الرقمي في ترويج وبيع منتجاتها للعملاء.
كما يمكن تطبيق التحول الرقمي أيًا يكن مجال عمل الشركة، فعلى الرغم من أنه قد يُنظر لبعض المجالات على أنّها بعيدة عن التحول الرقمي، لكن مع تطور أدوات وآليات التحول، تزيد إمكانية تطبيقه في أي مجال. وبمرور الوقت يميل أصحاب هذه الشركات للحلول الرقمية أكثر لفاعليتها ودقتها.
فمثلًا في مجال التصنيع تعاني الشركات من مشكلات متعددة، منها صعوبة التحكم في عمليات الإنتاج، وحاجتها لتوظيف أشخاص يقتصر دورهم على الإشراف. مع ذلك، لا يقدم هذا الحلول الفاعلية المطلوبة، إذ يظل هناك مساحة للأخطاء البشرية، مع التكلفة الكبيرة الناتجة عن توظيف عدّة مشرفين لتغطية كل عمليات التصنيع.
باللجوء إلى التحول الرقمي، تستخدم الشركة أدوات متخصصة في متابعة عملية التصنيع، لتنفيذ الإجراءات الإشرافية وإرسال الملاحظات عند وجود أي خطأ. تقدم الأدوات أيضًا تحليلات تنبؤيه عن عملية التصنيع، يمكن الاستفادة منها في تحسين العمل ككل. تعمل هذه الأدوات طوال الوقت وبدقة عالية، فتوفر تكلفة توظيف أعداد كبيرة من المشرفين، وتمنح الشركة الجودة المطلوبة في عملية التصنيع.
مع التقدم التكنولوجي الكبير حاليًا، تتطور الأدوات المستخدمة في تنفيذ التحول الرقمي، وتشمل جميع المجالات تدريجيًا. حسنًا كل ما سبق يتعلق بأثر التحول الرقمي على الشركات بصفة عامة، فماذا عن أثره الفعلي على شركتك؟
التحول الرقمي يطور نموذج عمل شركتك وطريقة الإدارة
يتيح التحول الرقمي فرصة تغيير نموذج عمل الشركة أو تطويره، وإضافة مصادر أخرى لتحقيق الدخل، وهو ما يوفر فرصًا إضافية للشركات لتحقيق إيرادات أعلى، ويساعدك على تطويع نموذج العمل ليلائم القدرات الشرائية للعملاء. فبدلًا من الاكتفاء ببيع المنتجات أو الخدمات بالصورة التقليدية، ستوفر لعملائك خيارات أخرى مثل العضويات الشهرية والسنوية.
مثلًا إذا لديك مشروعًا متخصصًا في التدريب، تقدم فيه تدريبات تفاعلية على أرض الواقع. في هذه الحالة أنت مقيد بأمرين؛ الأول هو ارتباط التدريب بضرورة وجود المدرب في كل مرة، فلن يمكنه تقديم خدماته سوى بما يوافق الوقت المتاح لديه، والثاني هو أعداد المتقدمين للتدريبات وهذا يرتبط بالنطاق الجغرافي لعملك.
عبر التحول الرقمي وإنشاء منصة تعليمية خاصة بك، يمكن تقديم تدريباتك التفاعلية في أرض الواقع وكذلك عبر الإنترنت. يمكنك أيضًا إضافة خيارات جديدة مثل الدورات المسجلة مسبقًا، التي ستبذل الجهد في إنتاجها مرة واحدة، وتبيع كل دورة تعليمية بسعر محدد، ويستمر الربح مع كل عملية شراء جديدة، دون الحاجة إلى وجود المدرب مرة أخرى.
يمكن أيضًا إضافة خيار الاشتراكات في مقابل مبلغ شهري أو سنوي حسب ما يناسب عملائك، في مقابل الوصول لجميع الدورات على المنصة. في هذه الحالة تطور نموذج عملك ليشمل ثلاثة مصادر لتحقيق الإيرادات بدلًا من مصدر واحد فقط.
إلى جانب تطوير نموذج العمل، يساهم التحول الرقمي في تطوير طريقة إدارة الشركة بالكامل، عبر استخدام أدوات مختلفة لتنفيذ مهام عديدة في الشركة. كأدوات تنظيم الإنتاجية التي تتيح توزيع المهام على فريق العمل، ومتابعة التنفيذ بسهولة. وأدوات الماليات والحسابات، التي تضمن تسجيل كل شيء في سجلات الشركة وإدارة الأموال. وأدوات المدفوعات كبوابات الدفع المتخصصة، التي تتولى إدارة المدفوعات وترسل الإيرادات لحسابك دون أي تدخل منك.
تساعدك هذه الأدوات على تحسين إدارة العمل داخل الشركة، وتوفر لك فرصة الوصول إلى بيانات عملائك وكل العمليات الداخلية في الشركة. والبيانات هي كنز حقيقي لدى الشركات، يمكن الاستفادة منه في اتخاذ قرارات أفضل تناسب العملاء، مثل تحسين تجربة العملاء أو تطوير الحملات التسويقية.
اكتشاف المزيد من فرص المبيعات والتسويق
تعتمد الأعمال التجارية التقليدية على بيع منتجاتها في متاجر على أرض الواقع، وهو ما يجعل جمهورها محدود جدًا، وفي أغلب الأحيان لا يتجاوز النطاق الجغرافي للمتجر. يتيح التحول الرقمي لهذه الأعمال تطوير عملية البيع، بإنشاء متاجر إلكترونية، تساهم في بيع المنتجات لعملاء آخرين خارج نطاق عمل المشروع، وهو ما يضاعف من أعداد العملاء المحتملين، ويسهل نمو المتجر.
من ناحية التكلفة لست مضطرًا لتعيين مطور مواقع للعمل معك بدوام كامل لإنشاء المتجر، فتزداد ميزانية الرواتب الشهرية لديك. لكن يمكنك الاعتماد على مطوري المتاجر الإلكترونية المستقلين، وتوظيف مطور محترف من موقع مستقل، شبكة العمل الحر الأكبر عربيًا، لإنشاء متجرك الإلكتروني بالمواصفات المطلوبة.
بالطبع يرتبط تحسين المبيعات بالتسويق، وفي الحقيقة يُعدّ التسويق الرقمي أحد أهم أشكال التحول الرقمي التي يمكن للأعمال التجارية الاستفادة منها، بدءًا من أبسط التصورات كإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق من خلالها، ومرورًا بأنشطة أتمتة التسويق المختلفة، وختامًا بالاستراتيجيات التسويقية الأخرى مثل التسويق بالمحتوى والتسويق عبر البريد الإلكتروني.
الميزة في التسويق الرقمي هي أنّه يتيح لك قياس أثر أعمالك، وحساب العائد على الاستثمار من الأنشطة التسويقية بدقة أكبر من التسويق التقليدي. بالطبع يُستخدم التسويق الرقمي بواسطة العديد من المشاريع، وهو ما يجعلك بحاجة إلى خطة تسويقية محكمة لتحقق النتائج المأمولة، ولتحقيق ذلك سيفيدك توظيف مسوق رقمي محترف، يتولى مسؤولية إعداد وتنفيذ الخطة التسويقية لأعمالك.
كيف يمكن للشركات تحقيق التحول الرقمي؟
يتطلب تنفيذ التحول الرقمي وجود استراتيجية محددة لفعل ذلك، فالوضع لا يحتمل المغامرة أو التجارب غير الناجحة، فلا بد من التخطيط جيدًا لتنفيذ هذا التحول، عبر الخطوات التالية:
1. تحليل نظام الشركة لتحديد صور التحول الرقمي المناسبة
لا يتعلق التحول الرقمي فقط باختيار الأدوات، لكنّها عملية متكاملة، تتطلب تعديلات كثيرة في نظام إدارة الشركة ونموذج عملها. لذا، لا بد من تحليل نظام الشركة جيدًا، لدراسة كيفية تنفيذ التحول الرقمي، وتحديد إذا ستطبق التحول الرقمي كليًا أو جزئيًا.
في حالة التحول الرقمي الجزئي، ستحتاج لاختيار صور التحول المناسبة لشركتك، التي تتفق مع احتياجاتك وأهدافك الحالية من التحول، مع التفكير في الترتيب الصحيح لتنفيذه. مثلًا ستبدأ بالتسويق الرقمي لأعمالك أولًا، ثم لاحقًا ستنشئ متجرًا إلكترونيًا للبيع، وأخيرًا ستتجه لاستخدام برامج إدارة العلاقات مع العملاء.
تحتاج هذه الخطوة غالبًا لوجود خبير متخصص في التحول الرقمي، ليساعدك على تحليل نظام الشركة والوضع الحالي، ويخبرك بما يلائم احتياجات شركتك حاليًا، ويساهم معك في وضع وتنفيذ خطة التحول الرقمي. فإذا لم تكن لديك خبرة كافية، فكّر في الاستفادة من خبرة مستشار أعمال متخصص في التحول الرقمي للعمل معك في هذه المرحلة.
2. وضع الرؤية المستقبلية للشركة ومشاركتها
يُحدِث التحول الرقمي تغييرًا كاملًا في عملك، لذا من الضروري وضع رؤية مستقبلية واضحة للشركة. لاحظ أنّ الأشخاص غالبًا ما يقاومون التغيير، ويفضلون بقاء الأمور كما هي، لخوفهم من صعوبة تنفيذ العمل بعد تطويره، ولاعتيادهم على الطريقة الحالية.
لذلك خصص جزء من وقتك للحديث مع الأفراد المعنيين بالأمر كالشركاء وفريق العمل، افهم أي اعتراضات أو تحفظات لديهم، وأجبهم عليها حتى الوصول إلى مرحلة الطمأنينة. كذلك لا تكتفِ بوضع الرؤية المستقبلية بمفردك، بل احرص على مشاركتهم معك في وضع الرؤية، وشجعهم على إدراك أنّ التحول الرقمي ضرورة للمستقبل ولاستدامة العمل في الشركة.
3. تحديد مراحل وخطوات عملية التحول الرقمي
يشمل التحول الرقمي مراحل وخطوات متعددة وفقًا لطبيعة التغيير الذي ستحدثه في شركتك. لذا، بمجرد وضع الرؤية ووضوح الصورة بشأن التحول الرقمي لشركتك، يمكنك البدء مباشرةً في تحديد المراحل والخطوات التي ستمر بها عملية التحول بالكامل من البداية حتى النهاية.
في هذه الخطوة ضع المراحل داخل جدول زمني محدد، والتزم به لتنفيذ عملية التحول الرقمي في المواعيد المخطط لها. وضح النتيجة المستهدفة في كل مرحلة، ومعايير تقييمها للتأكد من تنفيذها بالصورة المطلوبة. لا تنتظر نهاية عملية التحول للبدء في التقييم، إذ قد تضطر وقتها لإجراء تعديلات كثيرة، بدلًا عن ذلك، تدخل سريعًا للتعديل في كل مرحلة عند الحاجة لذلك.
4. تطوير طريقة إدارة العمل في ظل التحول الرقمي
يحتاج التحول الرقمي لتعديل وتطوير طريقة إدارة العمل في الشركة، لتتماشى مع الأهداف المرغوب تحقيقها. لذا، حدد كيف سيتغير نموذج عمل شركتك في ظل التحول الرقمي، وما هي المهام الجديدة المطلوب تنفيذها، لتصل لأفضل طريقة لإدارة الشركة وفقًا لذلك.
ابدأ بتطوير الهيكل الوظيفي للشركة لاستيعاب المهام الجديدة، أو التعديل على المهام الحالية، ثم في هذه المرحلة اختر أنسب الأدوات لتنفذ التحول الرقمي بطريقة صحيحة تتفق مع أهدافك. أخيرًا، وفّر لفريق العمل تدريبات تخصصية واستشارات مستمرة، لتعليمهم كيفية العمل في النظام الجديد، وآلية استخدام الأدوات.
5. تخصيص الميزانية المناسبة لعملية التحول الرقمي
يتطلب تنفيذ عملية التحول الرقمي تخصيص ميزانية مناسبة لتنفيذها بالجودة المطلوبة. لذا، ادرس أمورك المالية جيدًا، وخطط لها بما يناسب إمكانياتك. إذا كان هناك فرصة لتقسيم عملية التحول إلى مراحل، فافعل ذلك إذا كان يلائم شركتك، فلن تضطر حينها لدفع كل التكاليف مرة واحدة، والتأثير على السيولة داخل الشركة.
ذات صلة:
No related posts.
admin