◄حياة الإنسان مليئة بالصراعات (الكبرى والصغرى)، بعمليات التنافس، بالوضعيات العدائية (المباشرة وغير المباشرة)، من شأنها، على الأقل، تشويه واقعه اليومي.. وضمن هذا الإطار، هناك بعض المهن، ذات العلاقة التفاعلية مع الآخرين، بشكل خاصّ، تعرّض أكثر من غيرها للسلوكيات العدوانية؛ لكنّ العدوانية ليست أمراً محتّماً (أي لا مفرّ منه)، إذ بإمكان الإنسان مواجهتها وإخمادها شرط توافر أدوات جيِّدة لديه.
أكثر من ذلك نقول: يملك الإنسان، حين يواجه بشكل منتظم وضعيات عدوانية – صراعية في حياته (المهنية بوجه خاصّ)، صراعات كامنة أو مُعبِّراً عنها (بين زملاء العمل، مع المسؤولين، استقبال جمهور عدواني… مثلاً)، عديداً من التقنيات (الحلول) التي تساعده على مواجهة هذه الوضعيات وحلّ الإشكاليات الناجمة عنها؛ هذه الحلول هي قيِّمة، أيضاً، على مستوى: الصراعات اليومية، العلاقات العائلية، بين الأصدقاء، مع الجيران (الفنّيات التي سيتم عرضها تمّ تطبيقها ضمن إطار مختلف أنواع الوضعيات).
لكن، ليتمكّن الفرد من مواجهة الوضعيات العدائية، لابدّ له من تأمين بعض المتطلّبات، مثل:
– فهم الوضعية (فهم أوليات نشوء الصراع وتداعي العلاقات بينه وبين مَن يناصبه العداء).
– إيجاد وسائل تمكِّنه من إدارة الوضعية (أي من إجراء تواصل جيِّد مع الآخرين). والمعلوم أنّ توافر ذلك يتطلّب، على الأقل، حدّاً أدنى من التدرّب عليها كي يتمكّن من استخدامها.
– هناك حلول تبدو أكثر تلاؤماً وإفادة من غيرها لإدارة هذا النوع أو ذاك من الوضعيات الصراعية… إلخ.
وبما أنّ الناس غير متشابهين في مواجهة الصراع، فلابدّ للفرد إذن من التعرّف على موقفه الفطري وعلى مواقف الآخرين.. هذا، وبإمكانه، لدى مواجهته لوضعية خلافية معيّنة، تبني أحد أربعة مواقف أساسية: الهروب، المحاربة، التلاعب، تأكيد الذات.
ولكلِّ من هذه المواقف مظاهر إيجابية أو سلبية في وضعيات معيّنة: على سبيل المثال، يبدو أنّ مواقف الهروب، المحاربة والتلاعب ترتبط بالدماغ البدائي، حيث كان على الإنسان البدائي القيام بمواجهة فيزيقية لهجوم الحيوانات البرّية عليه، في حين يرتبط تأكيد الذات بدماغه العقلاني، وهو موقف يتم تعلُّمه، وبالتالي يفرض التساؤل التالي نفسه: بين المحاربة، تأكيد الذات، الهروب والتلاعب، كيف يستجيب الفرد للعدوانية؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل، لابدّ من التنويه إلى اختلاف المخاطر التي يلتقيها إنسان اليوم عن تلك التي كان يلتقيها في بدايات تطوّره البشري، فهي اليوم نفسية أكثر منها فيزيقية، يُضاف إلى ذلك، ارتباط اختيار الفرد لأحد المواقف المذكورة أعلاه بطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين الآخر وبميوله الفطرية، حيث يبدو هذا الموقف أو ذاك أكثر تلاؤماً مع الوضعية المحيطة بالفرد ومع فرادته الشخصية؛ لكنّ هناك، بشكلٍ عامّ، إطارين أساسيين: إطار عقلاني تأكيدي يرتبط بالنُّضج الواعي لدى الإنسان الذي يلجأ إليه بشكل واع ويتلاءم عموماً مع موقف تأكيد الذات كاستجابة، وإطار فطري يفرض نفسه عليه أحياناً في وضعيات معيّنة، حين يحس بخطر أو بحالة إجهاد وضغط مثلاً.
ثمّ إنّ الاتصال مع الواقع ومع الآخر لا يكون مباشراً، بل يتم ضبطه من قبل الفرد عبر مصاف ثلاث:
– مصاف عصبية: هي الحواس الخمس، يحدّد الجهاز الحاسّي ما يمكن للإنسان إدراكه.
– مصاف ثقافية: تشكِّل انتماء الفرد إلى ثقافة وبلد معيّنين ورؤيته للعالم، فمثلاً، خفض النظر دلالة احترام في ثقافتنا الشرقية؛ لكنّه دلالة على الخبث في الثقافة الأوروبية، وللبيئة العائلية الأساسية، هي أيضاً، دورها في بناء الفرد لرؤيته بخصوص العالم… إلخ.
– مصاف شخصية: هي المعتقدات التي طوّرها الفرد انطلاقاً من خبراته وتجاربه، حيث يستخلص عموماً قواعد واستنتاجات سلوكية تبعاً لطريقته الشخصية في تجاوز الوضعيات، ويميل عموماً لإسقاط نموذجه الخاصّ بالعالم على الآخرين.
بالعودة إلى العدوانية وكيفية مواجهتها، نعيد القول بأنّ هناك عديداً من الطُّرُق والتقنيات (الحلول) العلاجية، وسنعرض فيما يلي بانوراما للوسائل الفعّالة المتوافرة بمتناول الجميع كي لا يكونوا لعبة لعدوانية هذا أو ذاك، أو للتنكيد المنحرف من قبل الآخر، وسائل أو فنّيات مأخوذة من الالتماسات العلاجية الأكثر إنجازاً وفعالية والموجودة حالياً: إنّها سهلة التطبيق، وطبعاً يختلف استخدامها تبعاً لحاجة الفرد وشخصيته والوضعية التي يوجد بها ضمن إطارها.
يضاف إلى ذلك، وجود قاسم مشترك يرتبط بتنمية التواصل الذي يرتكز، بشكل خاصّ، على: تأكيد الذات، الصدق/ الأصالة، الحنو واحترام حاجات كلّ فرد.
لابدّ من التنويه هنا إلى أنّ العدوانية والعنف قد يكونان السبب في نشوء عديد من الاضطرابات النفسية المختلفة، كالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والإدمان… إلخ، أو كنتاج لها، كما قد يكونان استجابة طبيعية عند بعض الأفراد، وتُلاحَظ بكثرة تحت شكل غضب وصراخ… إلخ. لذا، لتحقيق العلاج، لابدّ من أخذ كلّ ذلك بالاعتبار، حيث للتشخيص النفسي دور أساسي في توضيح واقع الحال: مَن هو المعتدي أو المعتدى عليه؟ ما أنماط العدوان التي يتم تنشيطها (تفعيلها)؟ ما موضوع العدوان؟ ما هو الاضطراب الكامن وراءه؟ ما درجة الوعي؟ ما المظاهر التفاعلية المميزة للانتقال إلى الاعتداء الفعلي؟ لأي إطار يمكن إعادة العدوانية؟ ما العلاج المناسب؟… إلخ.
لنتذكّر دائماً أنّنا «لا نعالج أعمال عنف»، أو حتى «أشخاصاً عنيفين»، بل نعالج أفراداً يتميّزون بتاريخ شخصي فريد من نوعه؛ يُستثنى من هذه الملاحظة النرجسي المنحرف ذو النمط الخاصّ على مستوى التواصل، إذ إنّه لا يعتبر الآخر شخصاً، بل شيئاً يحقّ له السيطرة عليه، كما يحقّ له التلاعب بالوقائع وبمشاعر هذا الآخر كضحية يعمل على تجريدها من صفاتها كشخص، وهو مسؤول عن عديد من الانتهاكات بحقّ الآخرين بحيث يكون الصراع معه أمراً محتماً. لذا، لابدّ للضحية من التواصل معه لحماية نفسها منه وعليها معرفة كيفية التعامل معه ومعرفة أيّ فنّيات يصلح استخدامها: عليها، مثلاً، أن تتجنّب البحث عن أنّها على حقّ ضده أو إقناعه بوجهة نظرها حول الوضعية أو محاولة تبديد عدوانيته عبر إرضائه أو تبرير نفسها، إذ من شأن كلّ ذلك زيادة متطلّباته أكثر فأكثر… إلخ.
وبما أنّ الهدف من تواصل الضحية معه كمنحرف يقتصر على حماية نفسها منه لا ربح المعركة ضدّه، يكمن الموقف الأهم الذي بإمكانها تنبّيه إذن في توكيد الذات كإستراتيجية أساسية يتم تدعيمها بالمحافظة على هدوء الأعصاب وضبط الذات في عملية التفاعل معه، عدم الاعتراض على الحجج التي يعطيها خلال النقاش، لأنّه مستعد على فعل أي شيء كي يربح، خفض المعلومات التي تكشف عن حياتها الشخصية قدر الإمكان، عدم فقدان رباطة جأشها بمواجهة تحدّياته (تحريضاته) مهما كثرت، قول كلا نافية حاسمة بالنسبة للأشياء الشخصية التي يتعرّض لها هذا النرجسي أو بالنسبة لإهاناته التي قد تشوه كرامتها، عدم إظهار تأثرها بأيّ ملاحظة يبديها، استخدام أدوات ما يُسمّى «الإصغاء الناشط»، مثل: الجمل النموذجية أي استخدام جمل صغيرة كـ«أنت على حقّ»، «هذا رأيك»، «أفهم»… إلخ، ذات مفعول مماثل لمفعول ورق النشّاف وتهدف لإزالة العدوانية، البرج العاجي أي التظاهر بعدم سماع الانتقاد، مع وضع محدّد للجسم ووجه عصيّ على الفهم، إذ يصعب فك رموزه الانفعالية، كسر المزامنة، تغيير نبرة الصوت أو موضوع النقاش أو طريقة الوقوف أو، حتى، ترك المكان إذا بلغ النقاش حدود الانتقاد والتحقير… إلخ.
وللحصول على معلومات دقيقة أو إثباتات معيّنة، يمكن استخدام التساؤل التوضيحي، دفع المخاطب لتحديد ما يريد قوله وتوضيح فكرته، الأمر الذي قد يكون في غاية الأهميّة لتبديد عديد من حالات سوء التفاهم بين المتخاطبين، مثال: «حين تقول إنّ الجميع لديهم مآخذ عليك، مَن تقصد بالتحديد؟»، حيث ينبغي تجنّب استخدام السؤال: «لماذا»… إلخ.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأدوات المذكورة أعلاه (الجمل النموذجية، البرج العاجي، كسر المزامنة… إلخ) هي جزء من الفنّيات التي تدخل ضمن إطار ما يُسمّى بـ«تقنيات تأكيد الذات»، وهي بمنزلة وسائل مباشرة تساعد على:
1- إدارة العدوانية (أو العنف) لدى المخاطِب ولحماية الفرد نفسه حين يكون ضمن جمهور عدائي ينتهك إحدى أو عدداً من القيم المهمّة بالنسبة له، كانتهاك المدى الحيوي الخاصّ به كفرد أو الكشف عن أسراره أو عدم المحافظة على المسافة الاجتماعية التي يجب الإبقاء عليها بين الأفراد أو إظهار الاحتقار له أو إنكار هويّته أو خرق راحته الشخصية… إلخ. هذه الوسائل متنوّعة ومتعدّدة، منها ما يُستخدَم لاستباق العدوانية، مثل:
* التساؤل الاستكشافي، حيث يتم استخدام أسئلة مفتوحة تبدأ بظرف: لِمَ؟ كيف؟ ماذا؟ أسئلة مغلقة تبدأ بفعل وتثير إجابة: نعم أو كلا؛ لا يُنصَح باستخدام أسئلة موجهة تحتوي على الإجابة التي نود سماعها: «ألا تعتقد بأنّ…؟»، «لِمَ لا تفعل…؟»، لأنّه تلاعبي جدّاً؛ فبمواجهة مخاطِب عدواني، من المفضّل اللجوء إلى الأسئلة المفتوحة تجنّباً لإذكاء عدوانيته عبر طرح أسئلة مغلقة حمقاء ولجذب اهتمام الدماغ العقلاني لديه بدلاً من الدماغ البدائي.
* التساؤل التوضيحي (سبق التركيز عليه أعلاه):
– إعادة الصياغة (هي أداة جوهرية في التواصل): يتعلّق الأمر بإعادة ما قاله المخاطِب بشكل موجز وباستخدام كلماته؛ يمكن التمهيد لها باستخدام العبارات التالية: «إن فهمت جيِّداً…»، أو «إذاً، تودّ قول…»، أو «لتلخيص…»، أو «لأتأكد من أنّني فهمت جيِّداً…».. من حسنات إعادة الصياغة هذه أنّها تُشعِر المخاطَب بأنّنا نصغي إليه، نهتم به ونفهمه، كما تساعد على تأمين مزيد من المعلومات حوله… إلخ.
– الحدّ الأدنى من الاستجابة: هو استجابة بسيطة (إشارات صغيرة: لفظية أو غير لفظية) تترجم اهتمامنا بما يقوله أو يفعله الآخر ودعوته للاستمرار في التعبير كـ«هزّ الرأس»، «تكرار كلمة قالها الفرد»، محاكيات صوتية (هم، نعم…)، ابتسامة، نظرة تساؤل… إلخ.
– التزامن: ويعني نقل تفهمنا للمخاطَب عن طريق القيام بانعكاس لسلوكه ولرؤيته للعالم، ومن شأن ذلك تعميق العلاقة معه.
قد يتم ذلك بشلك لفظي كاستخدام تعابير مثل «يبدو لي أنّك غاضباً من والدك في هذا الموقف…» أو «معنى ذلك أنّك كنت متضايقاً لمقابلتك هذا الشخص» أو يتم بإعادة الصياغة؛ وقد يتم بشكل غير لفظي (استخدام تعبيرات في الوجه أو إشارات معيّنة ذات معنى…).
2- تحييد العدوانية أو إزالة تهديدها لحماية الذات: لابدّ من التمييز بين العدوانية، فمهما تدنّى مستوى الاتصال ضمن إطارها، تبقى العلاقة قائمة، والعنف الذي يهدف لجرح الآخر، بل لتحطيمه، حيث يكون هذا الآخر عبارة عن شيء لإطلاق الشخص العنيف مكبوباته ضدّه. حين يرتفع الصوت، يتعلّق الأمر بالبقاء ضمن إطار العلاقة، وما أمكن إعادة الحوار والتوازن إليها.
ولتأمين ذلك، هناك مبادئ عدّة ينبغي احترامها:
– التركيز على الآخر، على دوافعه، على حاجاته… إلخ.
– فهم القيمة التي تمّ اغتصابها وهي سبب العدوانية، بدلاً من محاولة إظهار وجهة نظرنا.
– تبني موقف توكيدي بدلاً من تبني موقف صراعي قد يثير الانزلاق نحو العدوانية.
– محاولة إيجاد حلول مع الآخر بدلاً من تبرير الذات.
– حتى إن بدا الآخر مخطئاً بالظهور تحت شكل عدواني، من المهم إظهار احترامنا له.
باختصار نقول: لتجنّب الانزلاق باتجاه العنف، من المناسب التركيز على المخاطِب بدلاً من القيام برد فعل مشابه للطريقة التي يحدّثنا بها؛ ومن ثمّ، يُفضّل تبني موقف توكيدي للبحث مع الآخر عن حلول. ومن المهمّ، أيضاً، إظهار أنّنا نصغي إليه ونفهمه، وإظهار الاحترام له.
3- استعادة الأنفاس بعد التعرّض للعدوانية: من المهمّ جدّاً هنا إعطاء الذات فترة استراحة (10 دقائق)، ثمّ تصوّر مكان آمن (مكان طبيعي أو خيالي يثير مشاعر الارتياح والطمأنينة بداخلنا).
ومن المهمّ، أيضاً، استعراض الفرد للعناصر المرئية (أي ما يراه)، السمعية (ما يسمعه)، الأحاسيس الحركية، الشمّية… إلخ، في أثناء تركيزه على مشاعر الاستجمام ورغد العيش التي يحسّ بها.
وهناك، إلى جانب التقنيات المذكورة أعلاه، عدد آخر من التقنيات الشديدة الفعالية في علاج السلوك العدواني، سنكتفي بذكر عدد معين منها فحسب كمثال من شأنه المساعدة على تكوين فكرة واضحة بخصوص التقنيات التي لم يتم ذكرها (وهي عديدة جدّاً):
– الاسترخاء: لتهدئة الذات، إذ يستحيل الإحساس بالقلق والاسترخاء في الوقت نفسه؛ ويمكننا، بالتالي، محاربة القلق بكلّ بساطة عن طريق الاسترخاء. وهو مفيد جدّاً للشخص حين يودّ خفض توتره لدى مواجهة وضعيات عدائية، وهو على أنواع متعدّدة يمكن للفرد اختيار ما يناسبه منها.
– توكيد الذات التعاطفي: يكمن أساساً في الإصغاء، وهو ليس بالأمر السهل، إذ يُقصَد هنا الإصغاء إلى ما يقوله الآخر الذي قد يكون على حقّ، مع أسبقية الشكّ الإيجابي بخصوصه كمخاطب؛ مع وضع النفس مكان الآخر لتفهم وضعه بشكل جيِّد، حيث تساعد تمارين الاسترخاء على تهدئة الانفعال.
– الأسطوانة المشروخة: معرفة المثابرة على التعبير عن فكرة أو عن شعور أو عن حاجة معيّنة مع تجاهل العنصار الثانوية، عدم التحوّل عن مجرى الحديث وعدم التبرير من جهة، عدم الابتعاد عن النقطة المرغوب بالتعبير عنها، عدم الاسترسال في التفسير مع تجنّب إمكان التلاعب من قبل الآخر، من جهة أُخرى.
– معرفة إيجاد تسوية: (لابدّ أن تختلف آراؤنا وأذواقنا وأفكارنا واهتماماتنا عن آراء وأذواق الآخرين، فتصبح التسوية، عندئذ، حاجة ماسّة وإلّا لاستحال العيش المشترك).
– تجريد الذات من الغضب: هو إجراء صعب؛ لكن يمكن تحقيقه عبر القيام باسترخاء سريع يُتبَع من ثمّ بتحليل وضعية الآخر مع أسبقية الشكّ الإيجابي. ومن الأفضل تأجيل مناقشة معيّنة على القيام بها تحت تأثير الغضب.
– تجريد الآخر من غضبه: بعد تجريد الذات من الغضب، يمتنع الفرد عن مقاطعة المخاطَب وهو في قمّة غضبه؛ وحين يهدأ هذا الأخير يصبح بالإمكان استخدام توكيد الذات التعاطفي معه: القول له، مثلاً: «أنت على حقّ بأن تغضب»؛ لكن دون سخرية أو لهجة عدائية، الأمر الذي يؤدِّي إلى خفض ردّ الفعل عند هذا الشخص… إلخ.
خلاصة القول، إنّ السلوك العدواني هو ظاهرة طبيعية ترافق الإنسان في جميع مراحل تطوّره، ويمكن تحديده كونه سلوكاً يُحدِث أذى للآخر أو للذات؛ وهو شديد التنوّع لدرجة القول، في النهاية، إنّه ليس هناك سوى عدد قليل من السلوكيات البشرية التي قد تخلو من العدوان.
إنّه سلوك تختلف مظاهره والتعبير عنه باختلاف عوامل متعدّدة، كالوراثة وأسلوب التنشئة الأُسرية والمستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي… إلخ، كما يختلف على مستوى الاتجاه (مُوجّه نحو الذات، نحو الآخرين)، على مستوى الشكل (عدوان مادّي جسدي، عدوان معنوي لفظي… إلخ).
ويمكن، أخيراً، القول بأنّ هذا العدوان ليس كلّه سلبياً، إذ هناك نوع إيجابي قد يتمثّل بالمنافسة ويساهم بإثبات الفرد لشخصيته، في حين يتمثّل النوع السلبي (وهو المقصود غالباً لدى التحدّث عن السلوك العدواني) بالرغبة في إلحاق الأذى بالآخرين أو بالذات ويُقصَد به التخريب والتدمير.
أخيراً، من غير الممكن تحديد السلوك العدواني دون ذكر التفاعل المعقد الذي يربط بين: المعتدي والبيئة والضحية وطبيعة هذا التفاعل المسؤول عن دينامية انتقال الفرد إلى فعل الاعتداء (العنف).►
◄حياة الإنسان مليئة بالصراعات (الكبرى والصغرى)، بعمليات التنافس، بالوضعيات العدائية (المباشرة وغير المباشرة)، من شأنها، على الأقل، تشويه واقعه اليومي.. وضمن هذا الإطار، هناك بعض المهن، ذات العلاقة التفاعلية مع الآخرين، بشكل خاصّ، تعرّض أكثر من غيرها للسلوكيات العدوانية؛ لكنّ العدوانية ليست أمراً محتّماً (أي لا مفرّ منه)، إذ بإمكان الإنسان مواجهتها وإخمادها شرط توافر أدوات جيِّدة لديه.
أكثر من ذلك نقول: يملك الإنسان، حين يواجه بشكل منتظم وضعيات عدوانية – صراعية في حياته (المهنية بوجه خاصّ)، صراعات كامنة أو مُعبِّراً عنها (بين زملاء العمل، مع المسؤولين، استقبال جمهور عدواني… مثلاً)، عديداً من التقنيات (الحلول) التي تساعده على مواجهة هذه الوضعيات وحلّ الإشكاليات الناجمة عنها؛ هذه الحلول هي قيِّمة، أيضاً، على مستوى: الصراعات اليومية، العلاقات العائلية، بين الأصدقاء، مع الجيران (الفنّيات التي سيتم عرضها تمّ تطبيقها ضمن إطار مختلف أنواع الوضعيات).
لكن، ليتمكّن الفرد من مواجهة الوضعيات العدائية، لابدّ له من تأمين بعض المتطلّبات، مثل:
– فهم الوضعية (فهم أوليات نشوء الصراع وتداعي العلاقات بينه وبين مَن يناصبه العداء).
– إيجاد وسائل تمكِّنه من إدارة الوضعية (أي من إجراء تواصل جيِّد مع الآخرين). والمعلوم أنّ توافر ذلك يتطلّب، على الأقل، حدّاً أدنى من التدرّب عليها كي يتمكّن من استخدامها.
– هناك حلول تبدو أكثر تلاؤماً وإفادة من غيرها لإدارة هذا النوع أو ذاك من الوضعيات الصراعية… إلخ.
وبما أنّ الناس غير متشابهين في مواجهة الصراع، فلابدّ للفرد إذن من التعرّف على موقفه الفطري وعلى مواقف الآخرين.. هذا، وبإمكانه، لدى مواجهته لوضعية خلافية معيّنة، تبني أحد أربعة مواقف أساسية: الهروب، المحاربة، التلاعب، تأكيد الذات.
ولكلِّ من هذه المواقف مظاهر إيجابية أو سلبية في وضعيات معيّنة: على سبيل المثال، يبدو أنّ مواقف الهروب، المحاربة والتلاعب ترتبط بالدماغ البدائي، حيث كان على الإنسان البدائي القيام بمواجهة فيزيقية لهجوم الحيوانات البرّية عليه، في حين يرتبط تأكيد الذات بدماغه العقلاني، وهو موقف يتم تعلُّمه، وبالتالي يفرض التساؤل التالي نفسه: بين المحاربة، تأكيد الذات، الهروب والتلاعب، كيف يستجيب الفرد للعدوانية؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل، لابدّ من التنويه إلى اختلاف المخاطر التي يلتقيها إنسان اليوم عن تلك التي كان يلتقيها في بدايات تطوّره البشري، فهي اليوم نفسية أكثر منها فيزيقية، يُضاف إلى ذلك، ارتباط اختيار الفرد لأحد المواقف المذكورة أعلاه بطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين الآخر وبميوله الفطرية، حيث يبدو هذا الموقف أو ذاك أكثر تلاؤماً مع الوضعية المحيطة بالفرد ومع فرادته الشخصية؛ لكنّ هناك، بشكلٍ عامّ، إطارين أساسيين: إطار عقلاني تأكيدي يرتبط بالنُّضج الواعي لدى الإنسان الذي يلجأ إليه بشكل واع ويتلاءم عموماً مع موقف تأكيد الذات كاستجابة، وإطار فطري يفرض نفسه عليه أحياناً في وضعيات معيّنة، حين يحس بخطر أو بحالة إجهاد وضغط مثلاً.
ثمّ إنّ الاتصال مع الواقع ومع الآخر لا يكون مباشراً، بل يتم ضبطه من قبل الفرد عبر مصاف ثلاث:
– مصاف عصبية: هي الحواس الخمس، يحدّد الجهاز الحاسّي ما يمكن للإنسان إدراكه.
– مصاف ثقافية: تشكِّل انتماء الفرد إلى ثقافة وبلد معيّنين ورؤيته للعالم، فمثلاً، خفض النظر دلالة احترام في ثقافتنا الشرقية؛ لكنّه دلالة على الخبث في الثقافة الأوروبية، وللبيئة العائلية الأساسية، هي أيضاً، دورها في بناء الفرد لرؤيته بخصوص العالم… إلخ.
– مصاف شخصية: هي المعتقدات التي طوّرها الفرد انطلاقاً من خبراته وتجاربه، حيث يستخلص عموماً قواعد واستنتاجات سلوكية تبعاً لطريقته الشخصية في تجاوز الوضعيات، ويميل عموماً لإسقاط نموذجه الخاصّ بالعالم على الآخرين.
بالعودة إلى العدوانية وكيفية مواجهتها، نعيد القول بأنّ هناك عديداً من الطُّرُق والتقنيات (الحلول) العلاجية، وسنعرض فيما يلي بانوراما للوسائل الفعّالة المتوافرة بمتناول الجميع كي لا يكونوا لعبة لعدوانية هذا أو ذاك، أو للتنكيد المنحرف من قبل الآخر، وسائل أو فنّيات مأخوذة من الالتماسات العلاجية الأكثر إنجازاً وفعالية والموجودة حالياً: إنّها سهلة التطبيق، وطبعاً يختلف استخدامها تبعاً لحاجة الفرد وشخصيته والوضعية التي يوجد بها ضمن إطارها.
يضاف إلى ذلك، وجود قاسم مشترك يرتبط بتنمية التواصل الذي يرتكز، بشكل خاصّ، على: تأكيد الذات، الصدق/ الأصالة، الحنو واحترام حاجات كلّ فرد.
لابدّ من التنويه هنا إلى أنّ العدوانية والعنف قد يكونان السبب في نشوء عديد من الاضطرابات النفسية المختلفة، كالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والإدمان… إلخ، أو كنتاج لها، كما قد يكونان استجابة طبيعية عند بعض الأفراد، وتُلاحَظ بكثرة تحت شكل غضب وصراخ… إلخ. لذا، لتحقيق العلاج، لابدّ من أخذ كلّ ذلك بالاعتبار، حيث للتشخيص النفسي دور أساسي في توضيح واقع الحال: مَن هو المعتدي أو المعتدى عليه؟ ما أنماط العدوان التي يتم تنشيطها (تفعيلها)؟ ما موضوع العدوان؟ ما هو الاضطراب الكامن وراءه؟ ما درجة الوعي؟ ما المظاهر التفاعلية المميزة للانتقال إلى الاعتداء الفعلي؟ لأي إطار يمكن إعادة العدوانية؟ ما العلاج المناسب؟… إلخ.
لنتذكّر دائماً أنّنا «لا نعالج أعمال عنف»، أو حتى «أشخاصاً عنيفين»، بل نعالج أفراداً يتميّزون بتاريخ شخصي فريد من نوعه؛ يُستثنى من هذه الملاحظة النرجسي المنحرف ذو النمط الخاصّ على مستوى التواصل، إذ إنّه لا يعتبر الآخر شخصاً، بل شيئاً يحقّ له السيطرة عليه، كما يحقّ له التلاعب بالوقائع وبمشاعر هذا الآخر كضحية يعمل على تجريدها من صفاتها كشخص، وهو مسؤول عن عديد من الانتهاكات بحقّ الآخرين بحيث يكون الصراع معه أمراً محتماً. لذا، لابدّ للضحية من التواصل معه لحماية نفسها منه وعليها معرفة كيفية التعامل معه ومعرفة أيّ فنّيات يصلح استخدامها: عليها، مثلاً، أن تتجنّب البحث عن أنّها على حقّ ضده أو إقناعه بوجهة نظرها حول الوضعية أو محاولة تبديد عدوانيته عبر إرضائه أو تبرير نفسها، إذ من شأن كلّ ذلك زيادة متطلّباته أكثر فأكثر… إلخ.
وبما أنّ الهدف من تواصل الضحية معه كمنحرف يقتصر على حماية نفسها منه لا ربح المعركة ضدّه، يكمن الموقف الأهم الذي بإمكانها تنبّيه إذن في توكيد الذات كإستراتيجية أساسية يتم تدعيمها بالمحافظة على هدوء الأعصاب وضبط الذات في عملية التفاعل معه، عدم الاعتراض على الحجج التي يعطيها خلال النقاش، لأنّه مستعد على فعل أي شيء كي يربح، خفض المعلومات التي تكشف عن حياتها الشخصية قدر الإمكان، عدم فقدان رباطة جأشها بمواجهة تحدّياته (تحريضاته) مهما كثرت، قول كلا نافية حاسمة بالنسبة للأشياء الشخصية التي يتعرّض لها هذا النرجسي أو بالنسبة لإهاناته التي قد تشوه كرامتها، عدم إظهار تأثرها بأيّ ملاحظة يبديها، استخدام أدوات ما يُسمّى «الإصغاء الناشط»، مثل: الجمل النموذجية أي استخدام جمل صغيرة كـ«أنت على حقّ»، «هذا رأيك»، «أفهم»… إلخ، ذات مفعول مماثل لمفعول ورق النشّاف وتهدف لإزالة العدوانية، البرج العاجي أي التظاهر بعدم سماع الانتقاد، مع وضع محدّد للجسم ووجه عصيّ على الفهم، إذ يصعب فك رموزه الانفعالية، كسر المزامنة، تغيير نبرة الصوت أو موضوع النقاش أو طريقة الوقوف أو، حتى، ترك المكان إذا بلغ النقاش حدود الانتقاد والتحقير… إلخ.
وللحصول على معلومات دقيقة أو إثباتات معيّنة، يمكن استخدام التساؤل التوضيحي، دفع المخاطب لتحديد ما يريد قوله وتوضيح فكرته، الأمر الذي قد يكون في غاية الأهميّة لتبديد عديد من حالات سوء التفاهم بين المتخاطبين، مثال: «حين تقول إنّ الجميع لديهم مآخذ عليك، مَن تقصد بالتحديد؟»، حيث ينبغي تجنّب استخدام السؤال: «لماذا»… إلخ.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأدوات المذكورة أعلاه (الجمل النموذجية، البرج العاجي، كسر المزامنة… إلخ) هي جزء من الفنّيات التي تدخل ضمن إطار ما يُسمّى بـ«تقنيات تأكيد الذات»، وهي بمنزلة وسائل مباشرة تساعد على:
1- إدارة العدوانية (أو العنف) لدى المخاطِب ولحماية الفرد نفسه حين يكون ضمن جمهور عدائي ينتهك إحدى أو عدداً من القيم المهمّة بالنسبة له، كانتهاك المدى الحيوي الخاصّ به كفرد أو الكشف عن أسراره أو عدم المحافظة على المسافة الاجتماعية التي يجب الإبقاء عليها بين الأفراد أو إظهار الاحتقار له أو إنكار هويّته أو خرق راحته الشخصية… إلخ. هذه الوسائل متنوّعة ومتعدّدة، منها ما يُستخدَم لاستباق العدوانية، مثل:
* التساؤل الاستكشافي، حيث يتم استخدام أسئلة مفتوحة تبدأ بظرف: لِمَ؟ كيف؟ ماذا؟ أسئلة مغلقة تبدأ بفعل وتثير إجابة: نعم أو كلا؛ لا يُنصَح باستخدام أسئلة موجهة تحتوي على الإجابة التي نود سماعها: «ألا تعتقد بأنّ…؟»، «لِمَ لا تفعل…؟»، لأنّه تلاعبي جدّاً؛ فبمواجهة مخاطِب عدواني، من المفضّل اللجوء إلى الأسئلة المفتوحة تجنّباً لإذكاء عدوانيته عبر طرح أسئلة مغلقة حمقاء ولجذب اهتمام الدماغ العقلاني لديه بدلاً من الدماغ البدائي.
* التساؤل التوضيحي (سبق التركيز عليه أعلاه):
– إعادة الصياغة (هي أداة جوهرية في التواصل): يتعلّق الأمر بإعادة ما قاله المخاطِب بشكل موجز وباستخدام كلماته؛ يمكن التمهيد لها باستخدام العبارات التالية: «إن فهمت جيِّداً…»، أو «إذاً، تودّ قول…»، أو «لتلخيص…»، أو «لأتأكد من أنّني فهمت جيِّداً…».. من حسنات إعادة الصياغة هذه أنّها تُشعِر المخاطَب بأنّنا نصغي إليه، نهتم به ونفهمه، كما تساعد على تأمين مزيد من المعلومات حوله… إلخ.
– الحدّ الأدنى من الاستجابة: هو استجابة بسيطة (إشارات صغيرة: لفظية أو غير لفظية) تترجم اهتمامنا بما يقوله أو يفعله الآخر ودعوته للاستمرار في التعبير كـ«هزّ الرأس»، «تكرار كلمة قالها الفرد»، محاكيات صوتية (هم، نعم…)، ابتسامة، نظرة تساؤل… إلخ.
– التزامن: ويعني نقل تفهمنا للمخاطَب عن طريق القيام بانعكاس لسلوكه ولرؤيته للعالم، ومن شأن ذلك تعميق العلاقة معه.
قد يتم ذلك بشلك لفظي كاستخدام تعابير مثل «يبدو لي أنّك غاضباً من والدك في هذا الموقف…» أو «معنى ذلك أنّك كنت متضايقاً لمقابلتك هذا الشخص» أو يتم بإعادة الصياغة؛ وقد يتم بشكل غير لفظي (استخدام تعبيرات في الوجه أو إشارات معيّنة ذات معنى…).
2- تحييد العدوانية أو إزالة تهديدها لحماية الذات: لابدّ من التمييز بين العدوانية، فمهما تدنّى مستوى الاتصال ضمن إطارها، تبقى العلاقة قائمة، والعنف الذي يهدف لجرح الآخر، بل لتحطيمه، حيث يكون هذا الآخر عبارة عن شيء لإطلاق الشخص العنيف مكبوباته ضدّه. حين يرتفع الصوت، يتعلّق الأمر بالبقاء ضمن إطار العلاقة، وما أمكن إعادة الحوار والتوازن إليها.
ولتأمين ذلك، هناك مبادئ عدّة ينبغي احترامها:
– التركيز على الآخر، على دوافعه، على حاجاته… إلخ.
– فهم القيمة التي تمّ اغتصابها وهي سبب العدوانية، بدلاً من محاولة إظهار وجهة نظرنا.
– تبني موقف توكيدي بدلاً من تبني موقف صراعي قد يثير الانزلاق نحو العدوانية.
– محاولة إيجاد حلول مع الآخر بدلاً من تبرير الذات.
– حتى إن بدا الآخر مخطئاً بالظهور تحت شكل عدواني، من المهم إظهار احترامنا له.
باختصار نقول: لتجنّب الانزلاق باتجاه العنف، من المناسب التركيز على المخاطِب بدلاً من القيام برد فعل مشابه للطريقة التي يحدّثنا بها؛ ومن ثمّ، يُفضّل تبني موقف توكيدي للبحث مع الآخر عن حلول. ومن المهمّ، أيضاً، إظهار أنّنا نصغي إليه ونفهمه، وإظهار الاحترام له.
3- استعادة الأنفاس بعد التعرّض للعدوانية: من المهمّ جدّاً هنا إعطاء الذات فترة استراحة (10 دقائق)، ثمّ تصوّر مكان آمن (مكان طبيعي أو خيالي يثير مشاعر الارتياح والطمأنينة بداخلنا).
ومن المهمّ، أيضاً، استعراض الفرد للعناصر المرئية (أي ما يراه)، السمعية (ما يسمعه)، الأحاسيس الحركية، الشمّية… إلخ، في أثناء تركيزه على مشاعر الاستجمام ورغد العيش التي يحسّ بها.
وهناك، إلى جانب التقنيات المذكورة أعلاه، عدد آخر من التقنيات الشديدة الفعالية في علاج السلوك العدواني، سنكتفي بذكر عدد معين منها فحسب كمثال من شأنه المساعدة على تكوين فكرة واضحة بخصوص التقنيات التي لم يتم ذكرها (وهي عديدة جدّاً):
– الاسترخاء: لتهدئة الذات، إذ يستحيل الإحساس بالقلق والاسترخاء في الوقت نفسه؛ ويمكننا، بالتالي، محاربة القلق بكلّ بساطة عن طريق الاسترخاء. وهو مفيد جدّاً للشخص حين يودّ خفض توتره لدى مواجهة وضعيات عدائية، وهو على أنواع متعدّدة يمكن للفرد اختيار ما يناسبه منها.
– توكيد الذات التعاطفي: يكمن أساساً في الإصغاء، وهو ليس بالأمر السهل، إذ يُقصَد هنا الإصغاء إلى ما يقوله الآخر الذي قد يكون على حقّ، مع أسبقية الشكّ الإيجابي بخصوصه كمخاطب؛ مع وضع النفس مكان الآخر لتفهم وضعه بشكل جيِّد، حيث تساعد تمارين الاسترخاء على تهدئة الانفعال.
– الأسطوانة المشروخة: معرفة المثابرة على التعبير عن فكرة أو عن شعور أو عن حاجة معيّنة مع تجاهل العنصار الثانوية، عدم التحوّل عن مجرى الحديث وعدم التبرير من جهة، عدم الابتعاد عن النقطة المرغوب بالتعبير عنها، عدم الاسترسال في التفسير مع تجنّب إمكان التلاعب من قبل الآخر، من جهة أُخرى.
– معرفة إيجاد تسوية: (لابدّ أن تختلف آراؤنا وأذواقنا وأفكارنا واهتماماتنا عن آراء وأذواق الآخرين، فتصبح التسوية، عندئذ، حاجة ماسّة وإلّا لاستحال العيش المشترك).
– تجريد الذات من الغضب: هو إجراء صعب؛ لكن يمكن تحقيقه عبر القيام باسترخاء سريع يُتبَع من ثمّ بتحليل وضعية الآخر مع أسبقية الشكّ الإيجابي. ومن الأفضل تأجيل مناقشة معيّنة على القيام بها تحت تأثير الغضب.
– تجريد الآخر من غضبه: بعد تجريد الذات من الغضب، يمتنع الفرد عن مقاطعة المخاطَب وهو في قمّة غضبه؛ وحين يهدأ هذا الأخير يصبح بالإمكان استخدام توكيد الذات التعاطفي معه: القول له، مثلاً: «أنت على حقّ بأن تغضب»؛ لكن دون سخرية أو لهجة عدائية، الأمر الذي يؤدِّي إلى خفض ردّ الفعل عند هذا الشخص… إلخ.
خلاصة القول، إنّ السلوك العدواني هو ظاهرة طبيعية ترافق الإنسان في جميع مراحل تطوّره، ويمكن تحديده كونه سلوكاً يُحدِث أذى للآخر أو للذات؛ وهو شديد التنوّع لدرجة القول، في النهاية، إنّه ليس هناك سوى عدد قليل من السلوكيات البشرية التي قد تخلو من العدوان.
إنّه سلوك تختلف مظاهره والتعبير عنه باختلاف عوامل متعدّدة، كالوراثة وأسلوب التنشئة الأُسرية والمستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي… إلخ، كما يختلف على مستوى الاتجاه (مُوجّه نحو الذات، نحو الآخرين)، على مستوى الشكل (عدوان مادّي جسدي، عدوان معنوي لفظي… إلخ).
ويمكن، أخيراً، القول بأنّ هذا العدوان ليس كلّه سلبياً، إذ هناك نوع إيجابي قد يتمثّل بالمنافسة ويساهم بإثبات الفرد لشخصيته، في حين يتمثّل النوع السلبي (وهو المقصود غالباً لدى التحدّث عن السلوك العدواني) بالرغبة في إلحاق الأذى بالآخرين أو بالذات ويُقصَد به التخريب والتدمير.
أخيراً، من غير الممكن تحديد السلوك العدواني دون ذكر التفاعل المعقد الذي يربط بين: المعتدي والبيئة والضحية وطبيعة هذا التفاعل المسؤول عن دينامية انتقال الفرد إلى فعل الاعتداء (العنف).►
ذات صلة:
No related posts.
GFX4arab
مهتم بالجرافيكس وملحقاته اشرف حاليا على موقع www.gfx4arab.com