معنى التوطين
يعرِّف قاموس كامبريدج التوطين Localization من الناحية التسويقية بأنه “عملية صناعة منتج أو خدمة ما لتكون أكثر ملائمةً لبلد معين أو منطقة معينة أو ما شابه”، بينما يُترجم مصطلح التوطين إلى “ترجمة شيء ما”، أو “عملية الترجمة من لغة لأخرى”.
يمكن الخلط بين التعريفين في الممارسة العملية، ومع أن للتوطين جوانبًا لغويةً وأخرى غير لغوية، إلا أن معظم عمليات الملاءمة الثقافية في سياق التوطين تنفَّذ عن طريق اللغة، ويمكن استخدامهما تبادليًا، فلن يبحث المترجم الجيد عن مكافئ مصطلح ما في اللغة التي يترجم إليها فقط، بل سيبحث بفعالية وسيحاول فهم اللغة التي يعملون عليها بدقة للوصول للترجمة الحقيقية، فمثلًا يمكن للمترجم أن يحوّل وحدات القياس والتاريخ من صيغة لأخرى -أو لا يحولها- بناءً على تقديره الشخصي، فقد يكون تحويل “451 فهرنهايت” إلى “233 سيليزيوس” مربكًا، إلا أن ترجمة دليل تقني تتطلب تحويلًا دقيقًا لواحدات القياس، وبالتالي فللمترجم حرية الخيار في ترجمة ما يراه مناسبًا أو الإبقاء عليه كما هو، وبينما يطلق البعض على هذه العملية مصطلح “التوطين” إلا أن عملية تحويل وحدات القياس كانت تعَد جزءًا من الترجمة، قبل أن يُستعمل مصطلح “التوطين” لتوصيف هذا النوع من العمل بفترة طويلة.
قد يظهر الاختلاف بين مصطلحي التوطين والترجمة عند النظر للجوانب اللغوية وغير اللغوية على أنهما كائنان منفصلان، أما عند النظر لعملية ترجمة الرسالة التي يحملها المنتج أو الخدمة، والنظر للجانبين اللغوي وغير اللغوي على أنهما عنصران قابلان للترجمة فيمكن المبادلة بين كلا المصطلحين “الترجمة” و”التوطين” لأنهما سيدلان على نفس المعنى.
في هذا المقال سنعد مصطلحي “الترجمة” و”التوطين” متكافئين ويمكن التبديل بينهما، وسنناقش كيفية استعمال الموقع الإلكتروني وسيلة تواصل للدخول إلى أسواق جديدة ذات ثقافات مختلفة.
سبب استخدام التوطين
التوطين الجيد قد يكون مكلفًا، لذا من المهم قبل البدء بتوطين موقعك الإلكتروني أن تطرح عدة أسئلة، هي:
- من هو الجمهور المستهدف؟
- ما هي ثقافة هذا الجمهور؟
- ما هي المشاكل المتوقعة خلال عملية التوطين؟
وسنجيب عن هذه الأسئلة تباعًا.
الجمهور المستهدف بالتوطين
الإجابة عن هذا السؤال من أهم الأولويات ضمن التخطيط لمشروع عملك، فلن نحتاج للتوطين في بعض المشاريع التي يكون للمجتمع فيها الثقافة نفسها، وكذلك عندما يتكلم اللغة نفسها، وللسوق المستهدف ذات المكان الجغرافي، مثل دار رعاية للأطفال أو مقهى محلي أو مطعم، ولكن في بعض الحالات يمكن للأفراد الذين يعيشون بذات المكان أن يتكلموا لغات مختلفةً، ففي المجتمع ثنائي اللغة يجب عليك التوجه بالحديث لمتحدثي كلا اللغتين تعبيرًا عن احترامهم، أما في المجتمع متعدد اللغات فيجب التوجه بالترجمة لمتحدثي اللغة المشتركة و/أو السائدة، مما يمنح الأفراد شعورًا بوجودهم، ويقدم انطباعًا إيجابيا عن علامتك التجارية.
ويمكن في بعض الحالات أن تكون الترجمة مطلوبةً قانونيًا، فعلى سبيل المثال في مدينة كيبيك في كندا اللغة الفرنسية هي اللغة المحلية، لذا يجب أن يتضمن موقعك الإلكتروني نسخةً باللغة الفرنسية.
إذا كان السوق المستهدف بخدماتك في بلد آخر ويتحدث لغةً أخرى، فلا خيار أمامك سوى توطين موقعك الإلكتروني، لكن إذا كان هذا الجمهور يتحدث نفس لغتك فيجب عندها النظر للجوانب الأخرى (الثقافية أو القانونية) لتقرر ضرورة الترجمة من عدمها.
وعلى الرغم من وجود العديد من الفوائد للترجمة إلّا أنه لا يجب عليك دومًا تنفيذها في البداية، خاصةً إذا كانت ميزانية المشروع قليلةً، ويمكن صرفها في جوانب ضرورية أخرى، فمن الأفضل تأجيل الترجمة كليًّا على أن تُنفَّذ بطريقة سيئة، وتذكّر دائمًا أن الترجمة الرديئة مكلفة، وإذا طلب منك قانونيًا إطلاق موقعك ليكون ثنائي اللغة، ولم تملك الميزانية الكافية لذلك، فالأفضل أن تبحث عن إمكانية إعفائك من ذلك، فإن لم تستطع فحاول البحث عن دعم أو توظيف متطوعين إن أمكن، وإذا لم تكن مجبرًا قانونيًا على الترجمة، فلا مانع من استخدام لغتك في خدمتك أو منتجك، ويمكنك المحافظة على علاقتك مع الزبون والتركيز على الأمور المشتركة، وهي الاهتمام بالخدمة أو المنتج.
فهم التعقيدات الثقافية واللغوية
لنفرض أن لديك موقعًا لتعليم البرمجة، موجّهًا لمحترفي تقنيات المعلومات، وغالبهم من خريجي الجامعات، ووجدت فرصةً لتوسيع أعمالك باتجاه الهند مثلًا، في هذه الحالة لن يكون توطين موقعك ضروريًا، لأن معظم المبرمجين في الهند قادرون على فهم اللغة الإنجليزية بطلاقة، لذلك بدلًا من صرف ميزانية على الترجمة يمكنك توجيهها لتطوير منتج أو خدمة جديدة تخدم الجمهور الهندي، فإذا أردت إنشاء ورشة عمل أو معسكر تدريبي في الهند، يمكنك القيام بذلك بالتركيز على نقاط التشابه الموجودة مع الجمهور الهندي، ويمكن تطبيق نفس القاعدة على البلدان الأخرى التي تكون فيها اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر استخدامًا من قبل محترفي تقنيات المعلومات، أما في بعض البلدان النامية التي يندر فيها استخدام اللغة الإنجليزية، يتحول بعض المبرمجين المتعلمين ذاتيًا إلى “قراصنة جيدين” لكسب المال، وقد تتعجب كيف تعلموا البرمجة على الرغم من معرفتهم القليلة باللغة الإنجليزية ؟! ولهذا تفسير سنوضحه.
للمهارات اللغوية نوعان: مهارات منفعلة -وهي السماع والقراءة- ومهارات فاعلة -وهي التحدث والكتابة-، وغالبًا ما يتعلم الناس المهارات اللغوية المنفعلة أولًا، بينما يتعلمون المهارات الفاعلة لاحقًا، فأنت تتعلم التحدث عن طريق الاستماع، والكتابة عن طريق القراءة، وتمر بهذه العملية خلال مرحلة الطفولة، وعند تعلّمك للغة جديدة حينما تصبح بالغًا.
وبما أن معظم محتويات دورات تقنيات المعلومات متوفرة مجانًا على الإنترنت باللغة الإنجليزية، يلجأ بعض المبرمجين إلى تعلم اللغة الإنجليزية بطريقة منفعلة خلال رحلة تعلمهم للبرمجة، فهم ليسوا طليقين باللغة الإنجليزية بالمعنى الحرفي، إلا أن ذلك لا ينفي قدرتهم على فهم اللغة، ومن الممكن ألّا يستطيعوا التحدث والكتابة بطلاقة، لكنهم قادرون على فهم النصوص التقنية.
باختصار تنمو المهارات اللغوية المنفعلة والفاعلة بسرعات مختلفة، وتقودنا هذه الحقيقة إلى مجموعة جديدة من الجمهور المستهدف، وهم القادرون على فهم اللغة الإنجليزية لكن بطريقة منفعلة.
إذا كان منتجك بصيغة نص مكتوب، فلن تكون الترجمة ضروريةً لاستهداف هذه الشريحة من الجمهور، أما إذا كان منتجك بصيغة مقطع صوتي أو عرض مرئي، فستحتاج لإضافة ترجمة مكتوبة، لأن متحدثي اللغة الانجليزية الأصليين يتحدثون بلهجات وسرعات مختلفة، كما أن إضافة الترجمة المكتوبة تساعد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل سمعية، كما أنها قد تكون مطلوبةً بالتشريعات الإقليمية والمحلية لزيادة إمكانية الوصول، وهو أمر جيّد إذا أضفناه.
قد يناقشنا البعض في أنه على الرغم من قدرة الأفراد على فهم اللغة الإنجليزية، إلا أنهم سيفهمون النص أفضل لو كان بلغتهم الأم، فإذا توفرت جميع البرامج المستخدمة أو المشار إليها بلغتهم الأم فلن يشكل ذلك عائقًا، ولكن لن يحدث ذلك على أرض الواقع غالبًا.
يساعد التكامل اللغوي المبرمجين على العمل بسرعة، وهذا وحده يجب أن يتفوق على السهولة المفترضة التي تتيحها الترجمة.
مشاكل تواجه عملية التوطين
لنأخذ مثالًا عن إندونيسيا، حيث تتكلم غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة اللغة الإندونيسية، لأنها غالبًا تخدم السوق المحلي، وبالتالي من الحكمة أن تُستهدَف هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة باللغة الإندونيسية.
توجهت إحدى الشركات إلى توطين خدماتها في السوق الإندونيسي مستهدفةً الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي يبلغ عددها حوالي 58 مليون شركة، ولم يكن لها منافسون كثر بادئ الأمر، وقد كانت خطة التوطين جيدةً عمومًا، على الرغم من احتوائها على بعض مشاكل التنفيذ، فقد تضمنت المادة التعليمية المراد توطينها العديد من الروابط الخارجية المزعجة، فمثلًا قد تصادف “مصطلحًا ذكيًا” أثناء قراءتك لمقالة تتضمن تعليمات لتنفيذ عمل ما، ولكي تفهم هذا المصطلح الذكي يتعين عليك الضغط على الرابط الخارجي، والذي يأخذك لصفحة مستقلة من المفترض أن تشرح هذا المفهوم، لكنك ستجد المزيد من “المصطلحات الذكية”، والتي تحتاج لروابط خارجية أخرى وهكذا، وفي هذه الحالة قد تنسى هدفك الرئيسي من قراءة المقالة الأولى.
يعَد أصحاب المشاريع الصغيرة من أكثر الأشخاص انشغالًا، حيث يتعين عليهم تنفيذ جميع المهام بمفردهم، وبالتالي لا يريدون إضاعة وقتهم في قراءة مقالة تتضمن تعليمات تأخذهم هنا وهناك، لذا كان ينبغي تبسيط تلك التعليمات من الناحية اللغوية، أما من الناحية التصميمية فكان بالإمكان استخدام نوافذ منبثقة تحتوي على تعريف أو وصف مركّز ومختصر لذلك “المصطلح الذكي”، ومع أن استعمال النوافذ المنبثقة قد يكون أمرًا مشتتًا للانتباه، إلا أنها سهلة الاستخدام وستؤدي الوظيفة بطريقة أفضل من استخدام الروابط الخارجية، وإذا لم نستطع جعل محتوى النوافذ المنبثقة مركزًا ومختصرًا، فمن الأفضل كتابة فقرة مستقلة لشرح هذا المصطلح، عندها يمكننا بدء كل تعليمة بذكر تعاريف المصطلحات الخاصة، وكتابة هذه التعاريف في صفحة واحدة لتقليل الوقت المستغرق في الذهاب والعودة للصفحة المقصودة، ويمكن تطبيق هذا الحل عندما يكون التعريف طويلًا جدًا، وأكبر من أن يوضع في نافذة منبثقة عند المرور بالمؤشر عليه.
كانت المشكلة في حالة هذه الشركة في اللغة الأصلية للمقال، والتي ترجمت بنجاح إلى اللغة المستهدفة -الإندونيسية في مثالنا- بفضل التوطين، وقد كان بالإمكان حل هذه المشكلة بدءًا من مستوى لغة المقال الأصلية، ولكن كان الوقت قد فات على خطوة كهذه.
لا يمكن للتجنيس Transcreation أو “عملية تحويل مفهوم في لغة ما وإعادة صياغته كليًا في لغة أخرى” حل مثل تلك المشكلة، لأن الخلل هنا تقنيّ أكثر من كونه لغويًا، ويتوجب على المترجمين صياغة عملهم بما يتوافق مع البيئة، وعليهم الاحتفاظ بجميع الروابط، وترجمة جميع المحتويات ذات المصطلحات التخصصية.
كان ينبغي على تلك الشركة توظيف كاتب محلي لإعادة كتابة المحتوى باللغة المستهدفة، ولكن لم يُتخذ هذا الإجراء لسبب أساسي، وهو أن هذه “المصطلحات الذكية” استعملت مثل كلمات مفتاحية، فتوجب الاحتفاظ بها رغم كرهنا لها.
التحضير لمشروع توطين موقع إلكتروني
لنفرض أنك أخذت كل شيء في الحسبان، فتعلمت عن جمهورك المستهدف، وكيف سيساهم منتجك في حل مشكلات هذا الجمهور، وتوافرت الميزانية اللازمة لذلك، ومن الطبيعي أن تحاول الوصول للجمهور فورًا وقبل منافسيك المحتملين، والآن يمكنك البدء بتنفيذ خطة التوطين لمشروعك.
يجب أن نذكر بأن التوطين سينقل أي أخطاء من محتواك الأصلي إلى الصفحات المترجمة، لذلك يجب تنفيذ بعض الفحوصات قبل البدء بالترجمة، وسيكون إصلاح أي مشكلة موجودة قبل أن يبدأ المشروع أقل تكلفةً، ويجب أن تضمن هذه الفحوصات تقييم المواد المراد ترجمتها، لذا اطلب من شخص خارج فريق عملك أن يقرأ كامل النص ويبدي رأيه فيه، ومن الأفضل أن يكون شخصًا يمثّل الجمهور المستهدف، ثم أجرِ التصحيحات اللازمة، واستعمل أقل عدد ممكن من المصطلحات التخصصية، ودع القارئ يركز على مقالة واحدة دون مقاطعة.
تفضل بعض الشركات تشكيل مصطلحات جديدة لصنع كلمات مفتاحية تقود الأشخاص إلى موقع الويب الخاص بالشركة، وقد يكون هذا الإجراء ذكيًا، حيث أنه يفيد في مواءمة المقال لمحركات البحث، إلّا أنك إذا أردت بناء علاقة مع جمهورك المستهدف فعليك توضيح رسالتك وجعلها قابلةً للفهم، ويجب أن يكون التواصل الواضح عوضًأ عن اختراع كلمات جديدة من أولوياتك، وقد يعني اتباعك لما سبق التضحية بالكلمات المفتاحية للحفاظ على وضوح المقال، لكنه يضمن معدل ارتداد أقل، بما أن الزوار سيبقون في موقعك لوقت أطول، وسيرتفع احتمال إكمال القرّاء لمقالاتك إلى نهايتها، طالما أنهم لا يصادفون الكثير من المصطلحات الصعبة والمعقدة.
يمكنك البدء بمشروع التوطين عندما يصبح النص جاهزًا، إذ يمكنك توظيف مترجم على منصة مستقل أو خمسات لإنجاز العمل، أو يمكنك بناء فريق عمل خاص بك، ويمكنك توظيف محررين ومترجمين يعملون لحسابهم الخاص للعمل في مشروع ترجمة موقعك، ويمكن لهذا الحل أن يوفر التكلفة أو يزيدها أكثر من الاستعانة بوكالة ترجمة خبيرة استنادًا لعدة عوامل، وعليك التأكد من أن المترجمين الذين تعينهم مباشرةً أو عن طريق وكالة هم أصحاب خبرة، فإذا تحدث النص عن التسويق مثلًا فيجب أن يكون المترجمون خبراء في هذا المجال، للتأكد من فهمهم لمقصدك.
يمكن لمعظم أدوات الترجمة المستخدمة حاليًا الحفاظ على تنسيق الجمل والروابط وشيفرة HTML، لذا لا تقلق من هذه النواحي، وركّز على الرسالة التي تريد إيصالها للجمهور المستهدف، وخذ الاعتبارات الثقافية بعين الاعتبار، وانتبه لأي سوء فهم قد يحدث بسبب ترجمتك، واستشر الفريق اللغويّ الخاص بك عن الجمل التي يمكن أن تسبب إشكاليةً عند ترجمتها، وانتقِ كلماتك بعناية، واختر التعابير المناسبة.
إذا تمكنت من توطين الموقع فتأكّد أيضًا من تأمين خدمة دعم العملاء باللغة الملائمة للجمهور المستهدف، مما سيؤمن الرد السريع على العملاء، بدلًا من إضاعة الوقت في انتظار المترجم.
معنى التوطين
يعرِّف قاموس كامبريدج التوطين Localization من الناحية التسويقية بأنه “عملية صناعة منتج أو خدمة ما لتكون أكثر ملائمةً لبلد معين أو منطقة معينة أو ما شابه”، بينما يُترجم مصطلح التوطين إلى “ترجمة شيء ما”، أو “عملية الترجمة من لغة لأخرى”.
يمكن الخلط بين التعريفين في الممارسة العملية، ومع أن للتوطين جوانبًا لغويةً وأخرى غير لغوية، إلا أن معظم عمليات الملاءمة الثقافية في سياق التوطين تنفَّذ عن طريق اللغة، ويمكن استخدامهما تبادليًا، فلن يبحث المترجم الجيد عن مكافئ مصطلح ما في اللغة التي يترجم إليها فقط، بل سيبحث بفعالية وسيحاول فهم اللغة التي يعملون عليها بدقة للوصول للترجمة الحقيقية، فمثلًا يمكن للمترجم أن يحوّل وحدات القياس والتاريخ من صيغة لأخرى -أو لا يحولها- بناءً على تقديره الشخصي، فقد يكون تحويل “451 فهرنهايت” إلى “233 سيليزيوس” مربكًا، إلا أن ترجمة دليل تقني تتطلب تحويلًا دقيقًا لواحدات القياس، وبالتالي فللمترجم حرية الخيار في ترجمة ما يراه مناسبًا أو الإبقاء عليه كما هو، وبينما يطلق البعض على هذه العملية مصطلح “التوطين” إلا أن عملية تحويل وحدات القياس كانت تعَد جزءًا من الترجمة، قبل أن يُستعمل مصطلح “التوطين” لتوصيف هذا النوع من العمل بفترة طويلة.
قد يظهر الاختلاف بين مصطلحي التوطين والترجمة عند النظر للجوانب اللغوية وغير اللغوية على أنهما كائنان منفصلان، أما عند النظر لعملية ترجمة الرسالة التي يحملها المنتج أو الخدمة، والنظر للجانبين اللغوي وغير اللغوي على أنهما عنصران قابلان للترجمة فيمكن المبادلة بين كلا المصطلحين “الترجمة” و”التوطين” لأنهما سيدلان على نفس المعنى.
في هذا المقال سنعد مصطلحي “الترجمة” و”التوطين” متكافئين ويمكن التبديل بينهما، وسنناقش كيفية استعمال الموقع الإلكتروني وسيلة تواصل للدخول إلى أسواق جديدة ذات ثقافات مختلفة.
سبب استخدام التوطين
التوطين الجيد قد يكون مكلفًا، لذا من المهم قبل البدء بتوطين موقعك الإلكتروني أن تطرح عدة أسئلة، هي:
وسنجيب عن هذه الأسئلة تباعًا.
الجمهور المستهدف بالتوطين
الإجابة عن هذا السؤال من أهم الأولويات ضمن التخطيط لمشروع عملك، فلن نحتاج للتوطين في بعض المشاريع التي يكون للمجتمع فيها الثقافة نفسها، وكذلك عندما يتكلم اللغة نفسها، وللسوق المستهدف ذات المكان الجغرافي، مثل دار رعاية للأطفال أو مقهى محلي أو مطعم، ولكن في بعض الحالات يمكن للأفراد الذين يعيشون بذات المكان أن يتكلموا لغات مختلفةً، ففي المجتمع ثنائي اللغة يجب عليك التوجه بالحديث لمتحدثي كلا اللغتين تعبيرًا عن احترامهم، أما في المجتمع متعدد اللغات فيجب التوجه بالترجمة لمتحدثي اللغة المشتركة و/أو السائدة، مما يمنح الأفراد شعورًا بوجودهم، ويقدم انطباعًا إيجابيا عن علامتك التجارية.
ويمكن في بعض الحالات أن تكون الترجمة مطلوبةً قانونيًا، فعلى سبيل المثال في مدينة كيبيك في كندا اللغة الفرنسية هي اللغة المحلية، لذا يجب أن يتضمن موقعك الإلكتروني نسخةً باللغة الفرنسية.
إذا كان السوق المستهدف بخدماتك في بلد آخر ويتحدث لغةً أخرى، فلا خيار أمامك سوى توطين موقعك الإلكتروني، لكن إذا كان هذا الجمهور يتحدث نفس لغتك فيجب عندها النظر للجوانب الأخرى (الثقافية أو القانونية) لتقرر ضرورة الترجمة من عدمها.
وعلى الرغم من وجود العديد من الفوائد للترجمة إلّا أنه لا يجب عليك دومًا تنفيذها في البداية، خاصةً إذا كانت ميزانية المشروع قليلةً، ويمكن صرفها في جوانب ضرورية أخرى، فمن الأفضل تأجيل الترجمة كليًّا على أن تُنفَّذ بطريقة سيئة، وتذكّر دائمًا أن الترجمة الرديئة مكلفة، وإذا طلب منك قانونيًا إطلاق موقعك ليكون ثنائي اللغة، ولم تملك الميزانية الكافية لذلك، فالأفضل أن تبحث عن إمكانية إعفائك من ذلك، فإن لم تستطع فحاول البحث عن دعم أو توظيف متطوعين إن أمكن، وإذا لم تكن مجبرًا قانونيًا على الترجمة، فلا مانع من استخدام لغتك في خدمتك أو منتجك، ويمكنك المحافظة على علاقتك مع الزبون والتركيز على الأمور المشتركة، وهي الاهتمام بالخدمة أو المنتج.
فهم التعقيدات الثقافية واللغوية
لنفرض أن لديك موقعًا لتعليم البرمجة، موجّهًا لمحترفي تقنيات المعلومات، وغالبهم من خريجي الجامعات، ووجدت فرصةً لتوسيع أعمالك باتجاه الهند مثلًا، في هذه الحالة لن يكون توطين موقعك ضروريًا، لأن معظم المبرمجين في الهند قادرون على فهم اللغة الإنجليزية بطلاقة، لذلك بدلًا من صرف ميزانية على الترجمة يمكنك توجيهها لتطوير منتج أو خدمة جديدة تخدم الجمهور الهندي، فإذا أردت إنشاء ورشة عمل أو معسكر تدريبي في الهند، يمكنك القيام بذلك بالتركيز على نقاط التشابه الموجودة مع الجمهور الهندي، ويمكن تطبيق نفس القاعدة على البلدان الأخرى التي تكون فيها اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر استخدامًا من قبل محترفي تقنيات المعلومات، أما في بعض البلدان النامية التي يندر فيها استخدام اللغة الإنجليزية، يتحول بعض المبرمجين المتعلمين ذاتيًا إلى “قراصنة جيدين” لكسب المال، وقد تتعجب كيف تعلموا البرمجة على الرغم من معرفتهم القليلة باللغة الإنجليزية ؟! ولهذا تفسير سنوضحه.
للمهارات اللغوية نوعان: مهارات منفعلة -وهي السماع والقراءة- ومهارات فاعلة -وهي التحدث والكتابة-، وغالبًا ما يتعلم الناس المهارات اللغوية المنفعلة أولًا، بينما يتعلمون المهارات الفاعلة لاحقًا، فأنت تتعلم التحدث عن طريق الاستماع، والكتابة عن طريق القراءة، وتمر بهذه العملية خلال مرحلة الطفولة، وعند تعلّمك للغة جديدة حينما تصبح بالغًا.
وبما أن معظم محتويات دورات تقنيات المعلومات متوفرة مجانًا على الإنترنت باللغة الإنجليزية، يلجأ بعض المبرمجين إلى تعلم اللغة الإنجليزية بطريقة منفعلة خلال رحلة تعلمهم للبرمجة، فهم ليسوا طليقين باللغة الإنجليزية بالمعنى الحرفي، إلا أن ذلك لا ينفي قدرتهم على فهم اللغة، ومن الممكن ألّا يستطيعوا التحدث والكتابة بطلاقة، لكنهم قادرون على فهم النصوص التقنية.
باختصار تنمو المهارات اللغوية المنفعلة والفاعلة بسرعات مختلفة، وتقودنا هذه الحقيقة إلى مجموعة جديدة من الجمهور المستهدف، وهم القادرون على فهم اللغة الإنجليزية لكن بطريقة منفعلة.
إذا كان منتجك بصيغة نص مكتوب، فلن تكون الترجمة ضروريةً لاستهداف هذه الشريحة من الجمهور، أما إذا كان منتجك بصيغة مقطع صوتي أو عرض مرئي، فستحتاج لإضافة ترجمة مكتوبة، لأن متحدثي اللغة الانجليزية الأصليين يتحدثون بلهجات وسرعات مختلفة، كما أن إضافة الترجمة المكتوبة تساعد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل سمعية، كما أنها قد تكون مطلوبةً بالتشريعات الإقليمية والمحلية لزيادة إمكانية الوصول، وهو أمر جيّد إذا أضفناه.
قد يناقشنا البعض في أنه على الرغم من قدرة الأفراد على فهم اللغة الإنجليزية، إلا أنهم سيفهمون النص أفضل لو كان بلغتهم الأم، فإذا توفرت جميع البرامج المستخدمة أو المشار إليها بلغتهم الأم فلن يشكل ذلك عائقًا، ولكن لن يحدث ذلك على أرض الواقع غالبًا.
يساعد التكامل اللغوي المبرمجين على العمل بسرعة، وهذا وحده يجب أن يتفوق على السهولة المفترضة التي تتيحها الترجمة.
مشاكل تواجه عملية التوطين
لنأخذ مثالًا عن إندونيسيا، حيث تتكلم غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة اللغة الإندونيسية، لأنها غالبًا تخدم السوق المحلي، وبالتالي من الحكمة أن تُستهدَف هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة باللغة الإندونيسية.
توجهت إحدى الشركات إلى توطين خدماتها في السوق الإندونيسي مستهدفةً الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي يبلغ عددها حوالي 58 مليون شركة، ولم يكن لها منافسون كثر بادئ الأمر، وقد كانت خطة التوطين جيدةً عمومًا، على الرغم من احتوائها على بعض مشاكل التنفيذ، فقد تضمنت المادة التعليمية المراد توطينها العديد من الروابط الخارجية المزعجة، فمثلًا قد تصادف “مصطلحًا ذكيًا” أثناء قراءتك لمقالة تتضمن تعليمات لتنفيذ عمل ما، ولكي تفهم هذا المصطلح الذكي يتعين عليك الضغط على الرابط الخارجي، والذي يأخذك لصفحة مستقلة من المفترض أن تشرح هذا المفهوم، لكنك ستجد المزيد من “المصطلحات الذكية”، والتي تحتاج لروابط خارجية أخرى وهكذا، وفي هذه الحالة قد تنسى هدفك الرئيسي من قراءة المقالة الأولى.
يعَد أصحاب المشاريع الصغيرة من أكثر الأشخاص انشغالًا، حيث يتعين عليهم تنفيذ جميع المهام بمفردهم، وبالتالي لا يريدون إضاعة وقتهم في قراءة مقالة تتضمن تعليمات تأخذهم هنا وهناك، لذا كان ينبغي تبسيط تلك التعليمات من الناحية اللغوية، أما من الناحية التصميمية فكان بالإمكان استخدام نوافذ منبثقة تحتوي على تعريف أو وصف مركّز ومختصر لذلك “المصطلح الذكي”، ومع أن استعمال النوافذ المنبثقة قد يكون أمرًا مشتتًا للانتباه، إلا أنها سهلة الاستخدام وستؤدي الوظيفة بطريقة أفضل من استخدام الروابط الخارجية، وإذا لم نستطع جعل محتوى النوافذ المنبثقة مركزًا ومختصرًا، فمن الأفضل كتابة فقرة مستقلة لشرح هذا المصطلح، عندها يمكننا بدء كل تعليمة بذكر تعاريف المصطلحات الخاصة، وكتابة هذه التعاريف في صفحة واحدة لتقليل الوقت المستغرق في الذهاب والعودة للصفحة المقصودة، ويمكن تطبيق هذا الحل عندما يكون التعريف طويلًا جدًا، وأكبر من أن يوضع في نافذة منبثقة عند المرور بالمؤشر عليه.
كانت المشكلة في حالة هذه الشركة في اللغة الأصلية للمقال، والتي ترجمت بنجاح إلى اللغة المستهدفة -الإندونيسية في مثالنا- بفضل التوطين، وقد كان بالإمكان حل هذه المشكلة بدءًا من مستوى لغة المقال الأصلية، ولكن كان الوقت قد فات على خطوة كهذه.
لا يمكن للتجنيس Transcreation أو “عملية تحويل مفهوم في لغة ما وإعادة صياغته كليًا في لغة أخرى” حل مثل تلك المشكلة، لأن الخلل هنا تقنيّ أكثر من كونه لغويًا، ويتوجب على المترجمين صياغة عملهم بما يتوافق مع البيئة، وعليهم الاحتفاظ بجميع الروابط، وترجمة جميع المحتويات ذات المصطلحات التخصصية.
كان ينبغي على تلك الشركة توظيف كاتب محلي لإعادة كتابة المحتوى باللغة المستهدفة، ولكن لم يُتخذ هذا الإجراء لسبب أساسي، وهو أن هذه “المصطلحات الذكية” استعملت مثل كلمات مفتاحية، فتوجب الاحتفاظ بها رغم كرهنا لها.
التحضير لمشروع توطين موقع إلكتروني
لنفرض أنك أخذت كل شيء في الحسبان، فتعلمت عن جمهورك المستهدف، وكيف سيساهم منتجك في حل مشكلات هذا الجمهور، وتوافرت الميزانية اللازمة لذلك، ومن الطبيعي أن تحاول الوصول للجمهور فورًا وقبل منافسيك المحتملين، والآن يمكنك البدء بتنفيذ خطة التوطين لمشروعك.
يجب أن نذكر بأن التوطين سينقل أي أخطاء من محتواك الأصلي إلى الصفحات المترجمة، لذلك يجب تنفيذ بعض الفحوصات قبل البدء بالترجمة، وسيكون إصلاح أي مشكلة موجودة قبل أن يبدأ المشروع أقل تكلفةً، ويجب أن تضمن هذه الفحوصات تقييم المواد المراد ترجمتها، لذا اطلب من شخص خارج فريق عملك أن يقرأ كامل النص ويبدي رأيه فيه، ومن الأفضل أن يكون شخصًا يمثّل الجمهور المستهدف، ثم أجرِ التصحيحات اللازمة، واستعمل أقل عدد ممكن من المصطلحات التخصصية، ودع القارئ يركز على مقالة واحدة دون مقاطعة.
تفضل بعض الشركات تشكيل مصطلحات جديدة لصنع كلمات مفتاحية تقود الأشخاص إلى موقع الويب الخاص بالشركة، وقد يكون هذا الإجراء ذكيًا، حيث أنه يفيد في مواءمة المقال لمحركات البحث، إلّا أنك إذا أردت بناء علاقة مع جمهورك المستهدف فعليك توضيح رسالتك وجعلها قابلةً للفهم، ويجب أن يكون التواصل الواضح عوضًأ عن اختراع كلمات جديدة من أولوياتك، وقد يعني اتباعك لما سبق التضحية بالكلمات المفتاحية للحفاظ على وضوح المقال، لكنه يضمن معدل ارتداد أقل، بما أن الزوار سيبقون في موقعك لوقت أطول، وسيرتفع احتمال إكمال القرّاء لمقالاتك إلى نهايتها، طالما أنهم لا يصادفون الكثير من المصطلحات الصعبة والمعقدة.
يمكنك البدء بمشروع التوطين عندما يصبح النص جاهزًا، إذ يمكنك توظيف مترجم على منصة مستقل أو خمسات لإنجاز العمل، أو يمكنك بناء فريق عمل خاص بك، ويمكنك توظيف محررين ومترجمين يعملون لحسابهم الخاص للعمل في مشروع ترجمة موقعك، ويمكن لهذا الحل أن يوفر التكلفة أو يزيدها أكثر من الاستعانة بوكالة ترجمة خبيرة استنادًا لعدة عوامل، وعليك التأكد من أن المترجمين الذين تعينهم مباشرةً أو عن طريق وكالة هم أصحاب خبرة، فإذا تحدث النص عن التسويق مثلًا فيجب أن يكون المترجمون خبراء في هذا المجال، للتأكد من فهمهم لمقصدك.
يمكن لمعظم أدوات الترجمة المستخدمة حاليًا الحفاظ على تنسيق الجمل والروابط وشيفرة HTML، لذا لا تقلق من هذه النواحي، وركّز على الرسالة التي تريد إيصالها للجمهور المستهدف، وخذ الاعتبارات الثقافية بعين الاعتبار، وانتبه لأي سوء فهم قد يحدث بسبب ترجمتك، واستشر الفريق اللغويّ الخاص بك عن الجمل التي يمكن أن تسبب إشكاليةً عند ترجمتها، وانتقِ كلماتك بعناية، واختر التعابير المناسبة.
إذا تمكنت من توطين الموقع فتأكّد أيضًا من تأمين خدمة دعم العملاء باللغة الملائمة للجمهور المستهدف، مما سيؤمن الرد السريع على العملاء، بدلًا من إضاعة الوقت في انتظار المترجم.
ذات صلة:
No related posts.
admin