هناك العديد من النماذج المختلفة لأساليب القيادة، يتعلق بعضها مثلًا بمدى “التحكم” وبعضها الآخر يستند إلى “الإمكانات”.
تُعَد أساليب القيادة الستة لدانيال جولمان Daniel Goleman إحدى أشهر النماذج، فقد اشتهر جولمان بعمله في الذكاء العاطفي، ولكنه أجرى أيضًا دراسةً رائدةً في القيادة، ونُشِرت هذه الدراسة بعنوان “القيادة التي تحقق النتائج” في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو Harvard Business Review في عام 2000.
حدد دانيال جولمان ستة أساليب مختلفة للقيادة، وذلك بناءً على دراسة استمرت لثلاث سنوات لأكثر من 3000 مدير تنفيذي، وهذه الأساليب هي:
القيادة القسرية أو الآمرة.
القيادة المدفوعة بوتيرة العمل.
القيادة المتبصرة.
القيادة المتناغمة.
القيادة الديموقراطية.
القيادة الموجِهة.
الأساليب الستة للقيادة
نذكر فيما يلي الأساليب السنة بالتفصيل.
1. القيادة القسرية
يُطالِب القادة الآمرون بالطاعة الفورية، أي أنهم يستخدمون أسلوب “افعل ما أخبرك به”.
يُظهر هؤلاء القادة المبادرة، وضبط النفس، والدافع للنجاح، وقد يظهر هذا النوع من القيادة بعدة أماكن مثل ساحة المعركة كمثال كلاسيكي عن ذلك.
تحتاج أيّة أزمة إلى قيادة واضحة وهادئة ومسؤولة، ولا يشجع هذا الأسلوب أي شخص على أخذ زمام المبادرة غير القائد، وغالبًا ما يكون له تأثير سلبي على شعور الناس.
2. القيادة المدفوعة بوتيرة العمل
يُتوقع من القادة المدفوعين بوتيرة العمل أن يتّسموا بالتميز والتوجيه الذاتي، ويمكن تلخيص هذا الأسلوب بعبارة “افعل كما أفعل الآن”.
يقود الشخص المدفوع بوتير العمل الآخرين من خلال كونه قدوةً لهم، إذ يعمل فقط مع فريق متحمس وكفؤ، ولا يمكن أن يستمر بالعمل بدون أعضاء الفريق إلا لفترة قصيرة. يُظهر هذا النوع من القادة دافعًا للنجاح والمبادرة مثل القادة الآمرين، ولكنهم يتميّزون عنهم باقتران دوافعهم بالضمير بدلًا من ضبط النفس فقط.
3. القيادة المتبصرة
يدفع القادة المتبصرون الأفراد نحو رؤية أفضل، وأفضل تلخيص لهذا الأسلوب هو “تعال معي”.
يملك هؤلاء القادة رؤيةً للأمور، وهو الأسلوب الأكثر فائدةً عندما تكون هناك حاجة إلى رؤية جديدة أو اتجاه واضح، كما يكونون عادةً أكثر إيجابية. ويتمتع القادة المتبصرون بدرجة عالية من الثقة بالنفس والتعاطف، كما يعملون كمحفز للتغيير من خلال جذب الناس إلى الرؤية وإشراكهم في المستقبل.
4. القيادة المتناغمة
يقدّر ويخلق القائد المتناغم روابطًا وانسجامًا عاطفًيا، كما يعتقد القادة المتناغمون بأن “الأولوية للأشخاص أولًا”.
يُظهر هؤلاء القادة تعاطفًا ومهارات تواصل قوية، وهم جيدون جدًا في بناء العلاقات. يفيد هذا الأسلوب عندما يمر الفريق بتجربة صعبة ويحتاج إلى معالجة الموقف أو تعزيز الدافع لذلك. ويحتاج أي قائد يستخدم هذا الأسلوب إلى التأكد من أن الآخرين يدركون أن الهدف هو الانسجام بين أفراد الفريق وليس التركيز على مهام محددة، لأن هذا الأسلوب ليس أسلوبًا موجهًا نحو الهدف.
يتضح من هذا الشرح أنه لا يمكن استخدام هذا الأسلوب بمفرده لفترة طويلة عندما تكون هناك حاجة إلى “إنجاز مهمة”.
5. القيادة الديموقراطية
يبني القادة الديموقراطيون إجماعهم من خلال المشاركة، كما يرددون باستمرار سؤالهم: “ما رأيك؟”
يُظهر هؤلاء القادة مستويات عالية من التعاون وقيادة الفريق ومهارات تواصل قوية. ويفيد هذا الأسلوب في تطوير ملكية المشروع، ولكن هذا يمكن أن يؤدي إلى تقدّم بطيء باتجاه الأهداف، وسيحتاج أيّ قائد يرغب في استخدام هذا الأسلوب إلى التأكد من إشراك المدراء الخبراء في العملية، وإدراك أن الأمر قد يستغرق وقتًا لتطوير الاتفاق.
6. القيادة الموجهة
يطوّر القادة الموجهون الأشخاص من حولهم، كما أن العبارة التي تلخّص أسلوب هذه القيادة هي: “جرّبها”، حيث يسمح القادة الموجهون للأشخاص بتجربة أساليب مختلفة لحل المشكلات وتحقيق الهدف بمرونة عالية، كما يُظهر القادة الموجهون مستويات عالية من التعاطف والوعي الذاتي والمهارات في تطوير الآخرين. ويفيد هذا الأسلوب عندما تقرر المنظمة تطوير الموظفين على المدى الطويل.
الأسلوب البديل للسلوكيات القيادية
هناك العديد من النماذج القيادية الأخرى، إذ يأخذ ريتشارد أوليفييه Richard Olivier في كتابه “القيادة الملهمة” على سبيل المثال قصة شكسبير هنري الخامس على أنها كتاب القيادة الشامل، ويحدد نموذجًا من أربعة أجزاء للقيادة يتناغم جيدًا مع النتائج التجريبية لجولمان.
يقسّم أوليفييه العالم إلى طاقات ثابتة وديناميكية، وذكورية وأنثوية، إذ تُحدد “إمكانات القيادة الإيجابية” الأربعة الممكنة كما يلي:
المذكر الثابت التقليدي (“نموذج الملك الصالح”، إنشاء وتقييم النظام)
المؤنث الثابت التقليدي (“نموذج الأم العظيمة”، ترعى من حولها)
المذكر الديناميكي المرن (“نموذج المحارب”، لصالح العمل)
المؤنث الديناميكي المرن (“نموذج الطبيبة”، في مهمة للتغيير)
احتمالات القيادة الإيجابية
قد تبدو هذه الألقاب خياليةً نوعًا ما، وليس من الصعب رؤية أن نموذج الملك الصالح يتناسب مع أسلوب جولمان الديموقراطي، ونموذج الأم العظيمة يعكس الأسلوب الموجه والمتناغم، ونموذج المحارِب هو الأسلوب القسري والمدفوع بوتيرة العمل، ونموذج الطبيبة هو الأسلوب المتبصّر.
تطوير الأسلوب القيادي
يمتلك كل شخص أسلوبًا قياديًا مُفضّلًا، وعادةً ما يكون هو الأسلوب المتبَع في أوقات التوتر. إنّ واحدة من أسهل الطرائق لمعرفة ما هو الخيار الافتراضي هو معرفة العبارات التي يقولها الشخص عند التوتر، فهل يقول “ما رأيك؟” أم “صحيح، سنفعل ذلك على طريقتي، والآن!”؟
لا يستخدم القادة أسلوبًا واحدًا فقط، ولكنهم قادرين على التنقل بين الأساليب واختيار الأسلوب الذي يناسب الموقف.
يمكن البدء في تطوير الآخرين بمجرد معرفة الأسلوب المفضّل، قد يجد الشخص صعوبةً في القيادة أو اتخاذ إجراء سريع خلال الأزمات إذا كان قائدًا ديموقراطيًا أو متناغمًا على سبيل المثال، وسوف يحتاج إلى إيجاد طريقة لاعتماد أسلوب القيادة الآمرة بطريقة يراها مناسبةً من خلال إدخال بعض الفكاهة إلى أوامره.
تتسم إحدى الميزات للنماذج البديلة للقيادة في أن أحد النماذج قد يمنح فكرةً أوضح عن كيفية التنقل بين الأساليب الممكنة، إذ أن فرضية أوليفييه هي أن هنري الخامس كقائد كان يتنقل بين كل هذه الأساليب في سياق المسرحية، ويمكن أن تكون دراسة كيفية فعل ذلك تجربةً مهمةً في القيادة اليومية، وقد يكون من المريح فهم أن هنري كان عليه العمل بجد لتطوير أسلوب قيادته ليتجاوز الأسلوب “المحارِب”.
يعتقد العديد من الأفراد بأن القيادة هي مهارة مرتبطة “بالعمل”، إلا أن هناك الكثير من الفرص لاستخدام أساليب القيادة المختلفة في المنزل أيضًا. قد تكون العائلة بيئةً آمنة لتجربة أفكار جديدة، خاصةً عند تجربة أساليب بعيدة كل البعد عن أسلوبك الطبيعي.
يجب المثابرة في تطبيق الأساليب القيادية في المواقف الآمنة، وعندها سيجد المرء نفسه يستخدم المهارات الجديدة استخدامًا طبيعيًا وحقيقيًا عند الحاجة.
تطوير الأسلوب القيادي
يحتاج القائد إلى تطوير أساليب القيادة لتعزيز عملية التحسين والتطوّير المستمر، سواءً كانت في العمل أو في المنزل، وهنا يمكن لأفضل القادة استخدام إحدى أساليب جولمان Goleman الستة للقيادة والتنقل بينها بسهولة، على الرغم من امتلاكهم وسهولة استخدامهم لأسلوبهم الافتراضي، إذ يجب على القائد تجاوز ذلك الأسلوب الافتراضي والبدء باستخدام الأساليب الخمسة الأخرى لتحسين مهاراته القيادية.
وفيما يلي 6 خطوات لتطوير أساليب القيادة، إذ يمكن تطوير أساليب القيادة حسب جولمان باتباع الخطوات الآتية:
1. تحديد الأسلوب الافتراضي في القيادة
من أجل تحديد الأسلوب الافتراضي في القيادة، علينا طرح التساؤلات الآتية:
ما هو الأسلوب القيادي المُفضّل؟
كيف يتصرف القائد تحت الضغط؟
هل يسأل القائد الآخرين عن آرائهم؟ هل يخبرهم بما يجب فعله ويتوقع منهم الامتثال لأوامره؟ هل يتقدّم عليهم أثناء قيادته؟ أم يقلق بشأن ضرورة وجود اتجاه ورؤية واضحة؟
إن التفكير بهذه الأسئلة في المواقف العصيبة سيمنحنا فكرةً عن أسلوب القيادة المُفضّل.
2. تحديد وتطوير نقاط القوة
يجب معرفة وتحديد نقاط القوة جيدًا للاستفادة منها. قد يمتلك القائد مهارات قيادية أخرى غير الأسلوب الافتراضي الذي اعتاده، وقد يشعر الآخرون بوجودها، إذ تقترح ريبيكا هورستون Rebecca Hourston التي تكتب في موقع فوربس Forbes.com، أن يطلب القائد من زملائه إخباره بأفضل خمسة أشياء عن أسلوبه في القيادة.
يمكن للقادة أيضًا تطوير نقاط القوة لديهم من خلال إعداد قائمة أسبوعية تتألف من ثلاثة إلى خمسة أشياء نجحوا باستخدامها أو توظيفها خلال الأسبوع، وتكرار الأمر في الأسبوع التالي.
3. تحسين نقاط الضعف
يجب التفكير بكيفية العمل على نقاط الضعف وتطويرها بهدف تجاوزها، وذلك بعد تحديدها بدقة؛ وهنا يمكن للقائد الاعتماد على جميع أساليب جولمان للقيادة، وإيجاد أفضل طريقة لاستخدمها بما يتناسب معه.
يخوض هنري في مسرحية شكسبير على سبيل المثال حربًا مع فرنسا وينتصر، إذ اعتمد هنري على نقاط قوته وأساليب قيادته الرئيسية: نموذجَي المحارِب والملك وفقًا لشروط ريتشارد أوليفييه، والأسلوب القسري والمدفوع بوتيرة العمل وفقًا لشروط دانيال جولمان؛ ولكن هنري الآن بحاجة إلى الفوز بالسلام، ويحتاج إلى توحيد إنجلترا وفرنسا في دولة جديدة ومشتركة يمكنه أن يحكمها ويورثها إلى أطفاله الذين لم يولدوا بعد، وهذا يعني الاعتماد على أساليب قيادية جديدة، بما في ذلك أسلوب القيادة الديموقراطية والمتناغمة، والاستفادة من “إمكاناته الأنثوية”.
أظهر شكسبير ذلك من خلال وجود هنري في البلاط الملكي لأميرة فرنسا كاثرين، وتمثل “نموذج الطبيبة” بالنسبة لأوليفييه الديناميكية الأنثوية، أي القدرة على إحداث التغيير والتطور، حيث سيُدخل هنري العنصر المؤنث إلى حياته بالاعتماد على طاقة وإمكانيات كاثرين، فهو يعرف من هو، إذ يقول لها “خذيني، خذي الجندي، خذي الجندي، خذي الملك”، فهو يحتاجها لجعله قائدًا كاملًا.
كانت الطريقة المناسبة لهنري الخامس للتعرّف على أسلوب قيادته المفقود هي التعلّم من الآخرين، وخاصةً من الأميرة كاثرين، إذ تُعَد المراقبة والتعلم من الآخرين طريقةً جيدةً جدًا لتعلّم أساليب القيادة الجديدة، على الرغم من وجود الحاجة لتجربة هذه الأساليب أيضًا.
نشعر أحيانًا ببعض الغرابة عند تجربة ما فعله شخصٌ آخر من قبل، إذ يبدو الأمر غير طبيعي وكأنه “نسخ”، ولكن يجب المثابرة في التجربة، تمامًا كالممثل الذي يحتاج إلى التمرّن على الدور الجديد ليبدو كأنه مشهد طبيعي.
4. الاعتماد على الآخرين
قد لا يمتلك القائد جميع أساليب القيادة، ولكن يمكنه الاعتماد على الآخرين عند العمل على تطويرها. يجب على القائد ملاحظة تحديد أعضاء الفريق الذين يمتلكون مهارات وأساليب صعبةً بالنسبة له، وذلك بهدف تشجيعهم على تولي زمام المبادرة عندما يكون أسلوبهم مناسب أكثر من أسلوبه.
يُلاحظ القائد أحيانًا أن أحد زملائه قادرين على تكوين الروابط والعلاقات، وتطوير الانسجام بين الفريق؛ بينما يصعب عليه ذلك. وهنا، يجب عليه استخدام مهارة التراجع إلى الخلف والسماح لهذا الشخص بالقيادة عندما يستدعي الموقف استخدام أسلوب القيادة المتناغمة، فأفضل القادة هم الذين يصنعون قادةً آخرين، وليس أتباعًا.
5. البدء بفعل أمور مختلفة
يقترح ريتشارد أوليفييه البدء بنشاطات جديدة لتطوير أسلوب القيادة بعيدًا عن “الشخصية المفضلة”، فيقول أنه يجب تحديد شخصية (مثل نموذج الملك الصالح والطبيبة والأم العظيمة أو المحارِب) تختلف عن الشخصية الافتراضية، ثم التفكير في نشاط يمثل تلك الشخصية أو إمكاناتها أفضل تمثيل. هنا، قد نعثر على المحارِب من خلال النشاط المفعم بالحيوية، وعلى الملك الصالح من خلال النظام والهيكلية، والطبيبة من خلال الإبداع، والأم العظيمة من خلال الاسترخاء والرعاية.
إذا رغب القائد بتطوير نموذج المحارِب الداخلي لديه فمن المهم أن يمارس رياضة جديدة، خاصةً الرياضة البدنية؛ أما إذا رغب في تطوير نموذج الطبيبة، فمن الممكن محاولة الرسم على الفخار.
قد تجلب العلاقة بين النشاط البدني وأسلوب القيادة السخرية، ولكن القدرة على استخدام أسلوب قيادة معين لا يعني بالضرورة امتلاك مجموعة محددة من المهارات، على الرغم من أن كل أسلوب يستخدم بالتأكيد مجموعةً معينةً من المهارات. ومن المهم تبنّي عقلية معينة حتى فيما يتعلق بالبيئة والنشاط.
يعمل تفكير أوليفييه أيضًا مع أساليب القيادة لدى جولمان، لذا يجب التفكير هنا في الأسلوب الأصعب، والذي سنسميه “أسلوب التمدد”، وفي تذكُر ملخصه وخصائصه المكونة من عبارة واحدة.
يجب التفكير في كيفية قول الأشياء عند العمل بالأسلوب الممتد، والتدرّب على قولها بهذه الطريقة، والبحث عن الطرائق المشابهة للشخصية الافتراضية، ولكن بهذا الأسلوب.
يستسهل بعض الأشخاص على سبيل المثال إعطاء الأوامر بطريقة فكاهية، بينما يمكن للآخرين العمل بألفة أكثر إذا اعترفوا بالصعوبات التي تواجههم علناً قبل البدء بمناقشة المشاعر، إذ يتعلق الأمر بمعرفة نقطة البداية المثلى، ومعرفة المكان المراد الوصول إليه.
6. مواجهة التعليقات والملاحظات
يجب طلب التعليقات والملاحظات من الآخرين عند تطوير أسلوب القيادة، وقد تكون هذه الملاحظات قاسيةً وصعبة، لذلك يُعَد إعطاء الملاحظات وتلقيها مهارةً أخرى، ويجب عدم أخذها على محمل شخصي، بل يجب معرفة فيما إذا سيجب التصرف بناءً عليها أم لا.
الصدق بشأن نقاط القوة والضعف
إنّ عدم الصدق بشأن نقاط القوة أو الضعف عند تطوير مهارات جديدة سيؤدي إلى مشكلات عديدة، إذ يجب مراعاة الصدق دائمًا وحتى بشأن الطريقة المراد تغييرها.
تكمن أهمية الصدق في أن الناس عادةً ما سيرون الأفعال، لذلك فإن الصدق والممارسة يُعدّان أمرين مهمين جدًا، فعند التدرّب مثل الممثلين في بيئة “آمنة”، فسيظهر الأسلوب الجديد كأنه طبيعي وصادق.
هناك العديد من النماذج المختلفة لأساليب القيادة، يتعلق بعضها مثلًا بمدى “التحكم” وبعضها الآخر يستند إلى “الإمكانات”.
تُعَد أساليب القيادة الستة لدانيال جولمان Daniel Goleman إحدى أشهر النماذج، فقد اشتهر جولمان بعمله في الذكاء العاطفي، ولكنه أجرى أيضًا دراسةً رائدةً في القيادة، ونُشِرت هذه الدراسة بعنوان “القيادة التي تحقق النتائج” في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو Harvard Business Review في عام 2000.
حدد دانيال جولمان ستة أساليب مختلفة للقيادة، وذلك بناءً على دراسة استمرت لثلاث سنوات لأكثر من 3000 مدير تنفيذي، وهذه الأساليب هي:
القيادة القسرية أو الآمرة.
القيادة المدفوعة بوتيرة العمل.
القيادة المتبصرة.
القيادة المتناغمة.
القيادة الديموقراطية.
القيادة الموجِهة.
الأساليب الستة للقيادة
نذكر فيما يلي الأساليب السنة بالتفصيل.
1. القيادة القسرية
يُطالِب القادة الآمرون بالطاعة الفورية، أي أنهم يستخدمون أسلوب “افعل ما أخبرك به”.
يُظهر هؤلاء القادة المبادرة، وضبط النفس، والدافع للنجاح، وقد يظهر هذا النوع من القيادة بعدة أماكن مثل ساحة المعركة كمثال كلاسيكي عن ذلك.
تحتاج أيّة أزمة إلى قيادة واضحة وهادئة ومسؤولة، ولا يشجع هذا الأسلوب أي شخص على أخذ زمام المبادرة غير القائد، وغالبًا ما يكون له تأثير سلبي على شعور الناس.
2. القيادة المدفوعة بوتيرة العمل
يُتوقع من القادة المدفوعين بوتيرة العمل أن يتّسموا بالتميز والتوجيه الذاتي، ويمكن تلخيص هذا الأسلوب بعبارة “افعل كما أفعل الآن”.
يقود الشخص المدفوع بوتير العمل الآخرين من خلال كونه قدوةً لهم، إذ يعمل فقط مع فريق متحمس وكفؤ، ولا يمكن أن يستمر بالعمل بدون أعضاء الفريق إلا لفترة قصيرة. يُظهر هذا النوع من القادة دافعًا للنجاح والمبادرة مثل القادة الآمرين، ولكنهم يتميّزون عنهم باقتران دوافعهم بالضمير بدلًا من ضبط النفس فقط.
3. القيادة المتبصرة
يدفع القادة المتبصرون الأفراد نحو رؤية أفضل، وأفضل تلخيص لهذا الأسلوب هو “تعال معي”.
يملك هؤلاء القادة رؤيةً للأمور، وهو الأسلوب الأكثر فائدةً عندما تكون هناك حاجة إلى رؤية جديدة أو اتجاه واضح، كما يكونون عادةً أكثر إيجابية. ويتمتع القادة المتبصرون بدرجة عالية من الثقة بالنفس والتعاطف، كما يعملون كمحفز للتغيير من خلال جذب الناس إلى الرؤية وإشراكهم في المستقبل.
4. القيادة المتناغمة
يقدّر ويخلق القائد المتناغم روابطًا وانسجامًا عاطفًيا، كما يعتقد القادة المتناغمون بأن “الأولوية للأشخاص أولًا”.
يُظهر هؤلاء القادة تعاطفًا ومهارات تواصل قوية، وهم جيدون جدًا في بناء العلاقات. يفيد هذا الأسلوب عندما يمر الفريق بتجربة صعبة ويحتاج إلى معالجة الموقف أو تعزيز الدافع لذلك. ويحتاج أي قائد يستخدم هذا الأسلوب إلى التأكد من أن الآخرين يدركون أن الهدف هو الانسجام بين أفراد الفريق وليس التركيز على مهام محددة، لأن هذا الأسلوب ليس أسلوبًا موجهًا نحو الهدف.
يتضح من هذا الشرح أنه لا يمكن استخدام هذا الأسلوب بمفرده لفترة طويلة عندما تكون هناك حاجة إلى “إنجاز مهمة”.
5. القيادة الديموقراطية
يبني القادة الديموقراطيون إجماعهم من خلال المشاركة، كما يرددون باستمرار سؤالهم: “ما رأيك؟”
يُظهر هؤلاء القادة مستويات عالية من التعاون وقيادة الفريق ومهارات تواصل قوية. ويفيد هذا الأسلوب في تطوير ملكية المشروع، ولكن هذا يمكن أن يؤدي إلى تقدّم بطيء باتجاه الأهداف، وسيحتاج أيّ قائد يرغب في استخدام هذا الأسلوب إلى التأكد من إشراك المدراء الخبراء في العملية، وإدراك أن الأمر قد يستغرق وقتًا لتطوير الاتفاق.
6. القيادة الموجهة
يطوّر القادة الموجهون الأشخاص من حولهم، كما أن العبارة التي تلخّص أسلوب هذه القيادة هي: “جرّبها”، حيث يسمح القادة الموجهون للأشخاص بتجربة أساليب مختلفة لحل المشكلات وتحقيق الهدف بمرونة عالية، كما يُظهر القادة الموجهون مستويات عالية من التعاطف والوعي الذاتي والمهارات في تطوير الآخرين. ويفيد هذا الأسلوب عندما تقرر المنظمة تطوير الموظفين على المدى الطويل.
الأسلوب البديل للسلوكيات القيادية
هناك العديد من النماذج القيادية الأخرى، إذ يأخذ ريتشارد أوليفييه Richard Olivier في كتابه “القيادة الملهمة” على سبيل المثال قصة شكسبير هنري الخامس على أنها كتاب القيادة الشامل، ويحدد نموذجًا من أربعة أجزاء للقيادة يتناغم جيدًا مع النتائج التجريبية لجولمان.
يقسّم أوليفييه العالم إلى طاقات ثابتة وديناميكية، وذكورية وأنثوية، إذ تُحدد “إمكانات القيادة الإيجابية” الأربعة الممكنة كما يلي:
المذكر الثابت التقليدي (“نموذج الملك الصالح”، إنشاء وتقييم النظام)
المؤنث الثابت التقليدي (“نموذج الأم العظيمة”، ترعى من حولها)
المذكر الديناميكي المرن (“نموذج المحارب”، لصالح العمل)
المؤنث الديناميكي المرن (“نموذج الطبيبة”، في مهمة للتغيير)
احتمالات القيادة الإيجابية
قد تبدو هذه الألقاب خياليةً نوعًا ما، وليس من الصعب رؤية أن نموذج الملك الصالح يتناسب مع أسلوب جولمان الديموقراطي، ونموذج الأم العظيمة يعكس الأسلوب الموجه والمتناغم، ونموذج المحارِب هو الأسلوب القسري والمدفوع بوتيرة العمل، ونموذج الطبيبة هو الأسلوب المتبصّر.
تطوير الأسلوب القيادي
يمتلك كل شخص أسلوبًا قياديًا مُفضّلًا، وعادةً ما يكون هو الأسلوب المتبَع في أوقات التوتر. إنّ واحدة من أسهل الطرائق لمعرفة ما هو الخيار الافتراضي هو معرفة العبارات التي يقولها الشخص عند التوتر، فهل يقول “ما رأيك؟” أم “صحيح، سنفعل ذلك على طريقتي، والآن!”؟
لا يستخدم القادة أسلوبًا واحدًا فقط، ولكنهم قادرين على التنقل بين الأساليب واختيار الأسلوب الذي يناسب الموقف.
يمكن البدء في تطوير الآخرين بمجرد معرفة الأسلوب المفضّل، قد يجد الشخص صعوبةً في القيادة أو اتخاذ إجراء سريع خلال الأزمات إذا كان قائدًا ديموقراطيًا أو متناغمًا على سبيل المثال، وسوف يحتاج إلى إيجاد طريقة لاعتماد أسلوب القيادة الآمرة بطريقة يراها مناسبةً من خلال إدخال بعض الفكاهة إلى أوامره.
تتسم إحدى الميزات للنماذج البديلة للقيادة في أن أحد النماذج قد يمنح فكرةً أوضح عن كيفية التنقل بين الأساليب الممكنة، إذ أن فرضية أوليفييه هي أن هنري الخامس كقائد كان يتنقل بين كل هذه الأساليب في سياق المسرحية، ويمكن أن تكون دراسة كيفية فعل ذلك تجربةً مهمةً في القيادة اليومية، وقد يكون من المريح فهم أن هنري كان عليه العمل بجد لتطوير أسلوب قيادته ليتجاوز الأسلوب “المحارِب”.
يعتقد العديد من الأفراد بأن القيادة هي مهارة مرتبطة “بالعمل”، إلا أن هناك الكثير من الفرص لاستخدام أساليب القيادة المختلفة في المنزل أيضًا. قد تكون العائلة بيئةً آمنة لتجربة أفكار جديدة، خاصةً عند تجربة أساليب بعيدة كل البعد عن أسلوبك الطبيعي.
يجب المثابرة في تطبيق الأساليب القيادية في المواقف الآمنة، وعندها سيجد المرء نفسه يستخدم المهارات الجديدة استخدامًا طبيعيًا وحقيقيًا عند الحاجة.
تطوير الأسلوب القيادي
يحتاج القائد إلى تطوير أساليب القيادة لتعزيز عملية التحسين والتطوّير المستمر، سواءً كانت في العمل أو في المنزل، وهنا يمكن لأفضل القادة استخدام إحدى أساليب جولمان Goleman الستة للقيادة والتنقل بينها بسهولة، على الرغم من امتلاكهم وسهولة استخدامهم لأسلوبهم الافتراضي، إذ يجب على القائد تجاوز ذلك الأسلوب الافتراضي والبدء باستخدام الأساليب الخمسة الأخرى لتحسين مهاراته القيادية.
وفيما يلي 6 خطوات لتطوير أساليب القيادة، إذ يمكن تطوير أساليب القيادة حسب جولمان باتباع الخطوات الآتية:
1. تحديد الأسلوب الافتراضي في القيادة
من أجل تحديد الأسلوب الافتراضي في القيادة، علينا طرح التساؤلات الآتية:
ما هو الأسلوب القيادي المُفضّل؟
كيف يتصرف القائد تحت الضغط؟
هل يسأل القائد الآخرين عن آرائهم؟ هل يخبرهم بما يجب فعله ويتوقع منهم الامتثال لأوامره؟ هل يتقدّم عليهم أثناء قيادته؟ أم يقلق بشأن ضرورة وجود اتجاه ورؤية واضحة؟
إن التفكير بهذه الأسئلة في المواقف العصيبة سيمنحنا فكرةً عن أسلوب القيادة المُفضّل.
2. تحديد وتطوير نقاط القوة
يجب معرفة وتحديد نقاط القوة جيدًا للاستفادة منها. قد يمتلك القائد مهارات قيادية أخرى غير الأسلوب الافتراضي الذي اعتاده، وقد يشعر الآخرون بوجودها، إذ تقترح ريبيكا هورستون Rebecca Hourston التي تكتب في موقع فوربس Forbes.com، أن يطلب القائد من زملائه إخباره بأفضل خمسة أشياء عن أسلوبه في القيادة.
يمكن للقادة أيضًا تطوير نقاط القوة لديهم من خلال إعداد قائمة أسبوعية تتألف من ثلاثة إلى خمسة أشياء نجحوا باستخدامها أو توظيفها خلال الأسبوع، وتكرار الأمر في الأسبوع التالي.
3. تحسين نقاط الضعف
يجب التفكير بكيفية العمل على نقاط الضعف وتطويرها بهدف تجاوزها، وذلك بعد تحديدها بدقة؛ وهنا يمكن للقائد الاعتماد على جميع أساليب جولمان للقيادة، وإيجاد أفضل طريقة لاستخدمها بما يتناسب معه.
يخوض هنري في مسرحية شكسبير على سبيل المثال حربًا مع فرنسا وينتصر، إذ اعتمد هنري على نقاط قوته وأساليب قيادته الرئيسية: نموذجَي المحارِب والملك وفقًا لشروط ريتشارد أوليفييه، والأسلوب القسري والمدفوع بوتيرة العمل وفقًا لشروط دانيال جولمان؛ ولكن هنري الآن بحاجة إلى الفوز بالسلام، ويحتاج إلى توحيد إنجلترا وفرنسا في دولة جديدة ومشتركة يمكنه أن يحكمها ويورثها إلى أطفاله الذين لم يولدوا بعد، وهذا يعني الاعتماد على أساليب قيادية جديدة، بما في ذلك أسلوب القيادة الديموقراطية والمتناغمة، والاستفادة من “إمكاناته الأنثوية”.
أظهر شكسبير ذلك من خلال وجود هنري في البلاط الملكي لأميرة فرنسا كاثرين، وتمثل “نموذج الطبيبة” بالنسبة لأوليفييه الديناميكية الأنثوية، أي القدرة على إحداث التغيير والتطور، حيث سيُدخل هنري العنصر المؤنث إلى حياته بالاعتماد على طاقة وإمكانيات كاثرين، فهو يعرف من هو، إذ يقول لها “خذيني، خذي الجندي، خذي الجندي، خذي الملك”، فهو يحتاجها لجعله قائدًا كاملًا.
كانت الطريقة المناسبة لهنري الخامس للتعرّف على أسلوب قيادته المفقود هي التعلّم من الآخرين، وخاصةً من الأميرة كاثرين، إذ تُعَد المراقبة والتعلم من الآخرين طريقةً جيدةً جدًا لتعلّم أساليب القيادة الجديدة، على الرغم من وجود الحاجة لتجربة هذه الأساليب أيضًا.
نشعر أحيانًا ببعض الغرابة عند تجربة ما فعله شخصٌ آخر من قبل، إذ يبدو الأمر غير طبيعي وكأنه “نسخ”، ولكن يجب المثابرة في التجربة، تمامًا كالممثل الذي يحتاج إلى التمرّن على الدور الجديد ليبدو كأنه مشهد طبيعي.
4. الاعتماد على الآخرين
قد لا يمتلك القائد جميع أساليب القيادة، ولكن يمكنه الاعتماد على الآخرين عند العمل على تطويرها. يجب على القائد ملاحظة تحديد أعضاء الفريق الذين يمتلكون مهارات وأساليب صعبةً بالنسبة له، وذلك بهدف تشجيعهم على تولي زمام المبادرة عندما يكون أسلوبهم مناسب أكثر من أسلوبه.
يُلاحظ القائد أحيانًا أن أحد زملائه قادرين على تكوين الروابط والعلاقات، وتطوير الانسجام بين الفريق؛ بينما يصعب عليه ذلك. وهنا، يجب عليه استخدام مهارة التراجع إلى الخلف والسماح لهذا الشخص بالقيادة عندما يستدعي الموقف استخدام أسلوب القيادة المتناغمة، فأفضل القادة هم الذين يصنعون قادةً آخرين، وليس أتباعًا.
5. البدء بفعل أمور مختلفة
يقترح ريتشارد أوليفييه البدء بنشاطات جديدة لتطوير أسلوب القيادة بعيدًا عن “الشخصية المفضلة”، فيقول أنه يجب تحديد شخصية (مثل نموذج الملك الصالح والطبيبة والأم العظيمة أو المحارِب) تختلف عن الشخصية الافتراضية، ثم التفكير في نشاط يمثل تلك الشخصية أو إمكاناتها أفضل تمثيل. هنا، قد نعثر على المحارِب من خلال النشاط المفعم بالحيوية، وعلى الملك الصالح من خلال النظام والهيكلية، والطبيبة من خلال الإبداع، والأم العظيمة من خلال الاسترخاء والرعاية.
إذا رغب القائد بتطوير نموذج المحارِب الداخلي لديه فمن المهم أن يمارس رياضة جديدة، خاصةً الرياضة البدنية؛ أما إذا رغب في تطوير نموذج الطبيبة، فمن الممكن محاولة الرسم على الفخار.
قد تجلب العلاقة بين النشاط البدني وأسلوب القيادة السخرية، ولكن القدرة على استخدام أسلوب قيادة معين لا يعني بالضرورة امتلاك مجموعة محددة من المهارات، على الرغم من أن كل أسلوب يستخدم بالتأكيد مجموعةً معينةً من المهارات. ومن المهم تبنّي عقلية معينة حتى فيما يتعلق بالبيئة والنشاط.
يعمل تفكير أوليفييه أيضًا مع أساليب القيادة لدى جولمان، لذا يجب التفكير هنا في الأسلوب الأصعب، والذي سنسميه “أسلوب التمدد”، وفي تذكُر ملخصه وخصائصه المكونة من عبارة واحدة.
يجب التفكير في كيفية قول الأشياء عند العمل بالأسلوب الممتد، والتدرّب على قولها بهذه الطريقة، والبحث عن الطرائق المشابهة للشخصية الافتراضية، ولكن بهذا الأسلوب.
يستسهل بعض الأشخاص على سبيل المثال إعطاء الأوامر بطريقة فكاهية، بينما يمكن للآخرين العمل بألفة أكثر إذا اعترفوا بالصعوبات التي تواجههم علناً قبل البدء بمناقشة المشاعر، إذ يتعلق الأمر بمعرفة نقطة البداية المثلى، ومعرفة المكان المراد الوصول إليه.
6. مواجهة التعليقات والملاحظات
يجب طلب التعليقات والملاحظات من الآخرين عند تطوير أسلوب القيادة، وقد تكون هذه الملاحظات قاسيةً وصعبة، لذلك يُعَد إعطاء الملاحظات وتلقيها مهارةً أخرى، ويجب عدم أخذها على محمل شخصي، بل يجب معرفة فيما إذا سيجب التصرف بناءً عليها أم لا.
الصدق بشأن نقاط القوة والضعف
إنّ عدم الصدق بشأن نقاط القوة أو الضعف عند تطوير مهارات جديدة سيؤدي إلى مشكلات عديدة، إذ يجب مراعاة الصدق دائمًا وحتى بشأن الطريقة المراد تغييرها.
تكمن أهمية الصدق في أن الناس عادةً ما سيرون الأفعال، لذلك فإن الصدق والممارسة يُعدّان أمرين مهمين جدًا، فعند التدرّب مثل الممثلين في بيئة “آمنة”، فسيظهر الأسلوب الجديد كأنه طبيعي وصادق.
ذات صلة:
No related posts.
admin